في يوم من الأيام، اجتمع بنو إسرائيل عند سفح الجبل، حيث كان موسى، النبي العظيم، يستعد لتقديم بركته الأخيرة لهم قبل أن يصعد إلى الرب. كانت الشمس تميل نحو الغروب، مطلية السماء بظلال ذهبية وحمراء، وكأنها تشارك في هذا المشهد المهيب. وقف موسى، رجل الله، بوقار وشيخوخة محمودة، وقد امتلأ قلبه بالحكمة التي منحها إياه الرب. كان وجهه يشع بنور إلهي، وكلماته كانت ثقيلة بمعاني البركة والنبوة.
بدأ موسى يتكلم بصوته الجهوري الذي كان يعرفه كل بني إسرائيل، قائلاً: “هكذا تكلم الرب، إله آبائكم، وها أنا أبارككم قبل أن أفارقكم. الرب جاء من سيناء، وأشرق من سعير، وتلألأ من جبل فاران، وأتى مع ربوات القديسين، وعن يمينه نار شريعة لهم.” كانت كلماته تملأ الأجواء بقدسية، وكأن السماء والأرض كانتا تسمعان وتشهدان على هذا الحدث العظيم.
ثم التفت موسى إلى كل سبط من أسباط إسرائيل، وبدأ يباركهم واحداً تلو الآخر، كاشفاً عن إرادة الله الخاصة لكل منهم. بدأ بروبين، قائلاً: “ليحيا روبين ولا يمت، وليكن رجاله قليلين.” كانت بركته مختصرة ولكنها عميقة، تعكس رحمة الله حتى لأولئك الذين أخطأوا.
ثم توجه إلى يهوذا، وقال: “اسمع يا رب صوت يهوذا، وأتِ به إلى قومه. بيديه دافع عن نفسه، فكن له معيناً ضد أعدائه.” كانت بركة يهوذا مليئة بالقوة والقيادة، وكأنها تنبئ بمستقبل عظيم لهذا السبط الذي سيخرج منه الملوك.
وعندما جاء دور لاوي، قال موسى: “ليمتحن الرب لاوي وحقه، وليحفظ عهده الذي أقسم عليه. ليعلِّموا شريعتك ليعقوب، وناموسك لإسرائيل.” كانت بركة لاوي مرتبطة بالخدمة والقداسة، فهم الذين اختارهم الرب ليكونوا كهنة وخداماً في بيته.
ثم بارك بنيامين، قائلاً: “حبيب الرب يسكن آمنًا، والرب يحميه كل النهار، وبين كتفيه يسكن.” كانت بركة بنيامين تعكس الحماية الإلهية والسلام الذي سيحل على أرضه.
وتحدث عن يوسف، قائلاً: “مباركة أرضه من الرب، بكل خيرات السماء والندى، وبكل ما في الأعماق. مباركة ثمرة بطنه، وكل ما تنبت أرضه. ليكن كل ذلك لرأس يوسف، وللقمة نذير إخوته.” كانت بركة يوسف غنية بالخيرات والبركات، تعكس محبة الله الخاصة لهذا السبط.
ثم بارك زبولون وإساكر، قائلاً: “افرح يا زبولون بخروجك، ويا إساكر بخيامك. يدعوان الشعوب إلى الجبل، وهناك يذبحون ذبائح البر. فإنهم بفيض البحار يغتنون، وكنوز الرمال تخزن لهم.” كانت بركتهما تعكس الازدهار الاقتصادي والقوة التي سيتمتعان بها.
وتحدث عن جاد، قائلاً: “مبارك الذي وسع جاد، كالأسد يربض، ويخطف الذراع مع الرأس. واختار لنفسه أفضل نصيب، لأن هناك قسمة الرئيس.” كانت بركة جاد تعكس القوة العسكرية والشجاعة التي سيتمتع بها هذا السبط.
ثم بارك دان، قائلاً: “دان جرو أسد، يثب من باشان.” كانت بركة دان مختصرة ولكنها قوية، تعكس القوة والحيوية التي سيتمتع بها هذا السبط.
وأخيراً، بارك نفتالي، قائلاً: “يا نفتالي، اشبع رضى، وامتلئ بركة الرب، والبحر والجنوب امتلك.” كانت بركة نفتالي تعكس السلام والرضا الذي سيحل على أرضه.
وبعد أن انتهى موسى من بركة الأسباط، رفع صوته مرة أخرى قائلاً: “ليس مثل إله يسورون، الراكب على السماء لمعونتك، وعلى السحاب بعظمته. الملجأ القديم هو إلهك، وتحت ذراعيه الأبديتين. يطرد العدو من أمامك، ويقول: أهلك. فيسكن إسرائيل آمناً، وعين يعقوب في أرض حنطة وخمر، وسمائه تقطر ندى. طوباك يا إسرائيل، من مثلك؟ شعب ناجٍ بالرب، ترس معونتك، وسيف عزك.”
ثم صعد موسى من سهول موآب إلى جبل نبو، إلى قمة الفسجة، مقابل أريحا. وأراه الرب جميع الأرض من جلعاد إلى دان، ومن نفتالي إلى البحر. وقال الرب له: “هذه هي الأرض التي أقسمت لإبراهيم وإسحاق ويعقوب أن أعطيها لنسلهم. قد أريتك إياها بعينيك، ولكنك لا تعبر إليها.”
وهكذا، ودع موسى الشعب الذي قاده سنوات طويلة، وترك لهم بركة تملأ قلوبهم بالأمل والثقة في الله. ثم مات موسى عبد الرب هناك في أرض موآب، حسب قول الرب. ودفنه الرب في الوادي، ولم يعرف إنسان قبره إلى هذا اليوم. وكان موسى ابن مئة وعشرين سنة حين مات، ولم تكل عينه، ولا ذهبت نضارته.
وبكى بنو إسرائيل على موسى في سهول موآب ثلاثين يوماً، حتى انقضت أيام البكاء والنوح. وكان يشوع بن نون قد امتلأ من روح الحكمة، لأن موسى كان قد وضع يديه عليه، فسمع له بنو إسرائيل وعملوا كما أوصى الرب موسى.
وهكذا، كانت بركة موسى خاتمة لحياة عظيمة قضاها في طاعة الله وخدمة شعبه، تاركاً إرثاً من الإيمان والبركة للأجيال القادمة.