الكتاب المقدس

إسحاق: تجربة الإيمان والبركة في أرض الوعد

في الأيام التي كانت فيها الأرض تعج بالحياة والبركات، كان هناك رجل يدعى إسحاق، ابن إبراهيم، الذي كان قد تلقى وعودًا عظيمة من الله. وكان إسحاق يسكن في أرض جرار، وهي أرض الخصوبة والسلام، حيث كان الرعاة والمزارعون يعيشون في وئام. ولكن حدث في تلك الأيام أن ضربت مجاعة شديدة الأرض، فاضطر إسحاق إلى النزول إلى جرار، حيث كان أبيمالك ملك الفلسطينيين يحكم.

وظهر الرب لإسحاق في تلك الليلة المظلمة، عندما كان قلبه مثقلًا بالهموم، وقال له: “لا تنزل إلى مصر. أقم في الأرض التي أقولها لك. تغرب في هذه الأرض، وأكون معك وأباركك، لأني لك ولنسلك أعطي جميع هذه البلاد، وأفي بالقسم الذي أقسمت لإبراهيم أبيك. وأكثر نسلك كنجوم السماء، وأعطي نسلك جميع هذه البلاد، وتتبارك في نسلك جميع أمم الأرض.”

فأطاع إسحاق كلام الرب، وأقام في جرار. وكان إسحاق رجلًا حكيمًا، يعرف أن الله معه، فلم يخف من المجاعة ولا من غربته. ولكن قلقه كان على زوجته الجميلة رفقة، التي كانت تثير إعجاب الرجال في تلك الأرض. فقال إسحاق لرفقة: “إذا سألني أهل هذه الأرض عنك، قولي أنك أختي، حتى لا يقتلوني بسببك.”

وبالفعل، عندما سأل أهل جرار عن رفقة، قال إسحاق: “هي أختي.” وكان خوفه أن يقتلوه بسبب جمالها. ولكن بعد فترة، نظر أبيمالك ملك الفلسطينيين من نافذة قصره، فرأى إسحاق ورفقة يلاعبان بعضهما بحب ومرح، فعرف أنها زوجته وليست أخته. فدعا أبيمالك إسحاق وقال له: “لماذا قلت إنها أختك؟ لقد كدت أن أقع في خطيئة عظيمة بسببك.” فأجاب إسحاق: “لأني قلت في نفسي: لعلهم يقتلونني بسببها.” فقال أبيمالك: “لماذا فعلت هذا بنا؟ كاد أحد الشعب أن يضطجع مع زوجتك، فكنت تجلب علينا ذنبًا عظيمًا.” ثم أصدر أبيمالك أمرًا لجميع شعبه قائلًا: “من يمس هذا الرجل أو زوجته، يقتل قتلًا.”

وبعد ذلك، بدأ إسحاق يزرع الأرض التي أعطاها الله له، فباركه الرب بشكل عجيب. فحصَد في تلك السنة مئة ضعف مما زرع، لأن الرب كان معه. فصار إسحاق رجلًا عظيمًا، وازداد غنى حتى صار أغنى من جميع أهل جرار. وكان له قطعان غنم وبقر وعبيد كثيرون، فحسده الفلسطينيون.

وعندما رأى الفلسطينيون أن إسحاق يزداد قوة وثراء، قاموا وسدوا جميع الآبار التي كان عبيد إبراهيم قد حفروها في أيام أبيه، وملأوها ترابًا. فقال أبيمالك لإسحاق: “اذهب من عندنا، لأنك صرت أقوى منا بكثير.” فخرج إسحاق من هناك، ونزل في وادي جرار، وأقام هناك.

وعاد إسحاق فحفر الآبار التي حفرها عبيد أبيه إبراهيم، والتي سدها الفلسطينيون بعد موت إبراهيم، ودعاها بنفس الأسماء التي دعاها بها أبوه. وحفر عبيد إسحاق في الوادي، فوجدوا هناك بئر ماء حي. فخاصم رعاة جرار رعاة إسحاق قائلين: “لنا الماء.” فدعا اسم البئر “عسق”، لأنهم خاصموه. ثم حفروا بئرًا أخرى، فخاصموا عليها أيضًا، فدعا اسمها “ستنة”. فانتقل من هناك وحفر بئرًا أخرى، فلم يخاصموا عليها، فدعا اسمها “رحوبوت”، وقال: “لأن الآن قد وسعنا الرب، وأثمرنا في الأرض.”

ثم صعد إسحاق من هناك إلى بئر سبع. وظهر له الرب في تلك الليلة وقال: “أنا إله إبراهيم أبيك. لا تخف، لأني معك، وأباركك وأكثر نسلك من أجل إبراهيم عبدي.” فبنى هناك مذبحًا، ودعا باسم الرب، ونصب خيمته هناك، وحفر عبيد إسحاق بئرًا هناك.

ثم جاء إليه أبيمالك من جرار، وأحازات صديقه، وفيكول رئيس جيشه. فقال لهم إسحاق: “لماذا جئتم إليّ، وأنتم قد أبغضتموني، وأخرجتموني من عندكم؟” فقالوا: “قد رأينا أن الرب معك، فقلنا: ليكن قسم بيننا وبينك، فنقطع معك عهدًا. أن لا تصنع بنا سوءًا، كما لم نمسك، وكما فعلنا معك خيرًا فقط، وأطلقناك بسلام. أنت الآن مبارك الرب.”

فأقام لهم وليمة، فأكلوا وشربوا. وبكروا في الغد، وحلفوا بعضهم لبعض. ثم أطلقهم إسحاق، فمضوا منه بسلام. وفي ذلك اليوم، جاء عبيد إسحاق وأخبروه عن البئر التي حفروها، وقالوا له: “قد وجدنا ماء.” فدعاها “شبعا”، لذلك سميت المدينة “بئر سبع” إلى هذا اليوم.

وهكذا، عاش إسحاق في أرض الموعد، متمتعًا ببركات الله التي وعد بها أباه إبراهيم. وكان إسحاق رجلًا بارًا، يسير في طرق الرب، ويحفظ وصاياه. فكانت حياته مثالًا للإيمان والطاعة، وبرهانًا على أن وعود الله لا تتخلف أبدًا.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *