في الأيام التي قاد فيها موسى شعب إسرائيل عبر البرية، أوحى الله إليه بتعاليم وأحكام لتنظيم حياة الشعب وضبط سلوكهم. وكان من بين هذه الأحكام ما ورد في سفر العدد، الإصحاح الخامس، والذي يتناول قضية الغيرة والشك في العلاقات الزوجية، وكيفية التعامل معها وفقًا لإرادة الله.
في ذلك الوقت، كان الرجال والنساء يعيشون في خيام متفرقة في البرية، وكانت العلاقات الزوجية مقدسة في نظر الله. ولكن الشيطان، عدو الخير، كان يزرع بذور الشك والغيرة في قلوب بعض الرجال، مما أدى إلى توترات وصراعات داخل المجتمع. ولذلك، أراد الله أن يضع حدًا لهذه المشكلة بطريقة عادلة وحكيمة.
فأمر الله موسى أن يعلم الشعب ما يلي: إذا شعر رجل بالغيرة من زوجته وشك في أنها قد خانت عهد الزواج، عليه أن يأتي بها إلى الكاهن. وكان الكاهن، كخادم لله، مسؤولًا عن فض النزاعات وفقًا للشريعة الإلهية.
وفي يوم من الأيام، جاء رجل اسمه أليآب إلى خيمة الاجتماع، ومعه زوجته تمار. كان وجه أليآب يعكس الغضب والحزن، بينما كانت تمار تسير خلفه بصمت، وعيناها تنظران إلى الأرض. وصل الرجل إلى الكاهن وقال: “يا كاهن الرب، أشك في أن زوجتي قد خانتني. أريد أن تُقام عليها محكمة الله لتعرف الحقيقة.”
استمع الكاهن إلى كلمات أليآب باهتمام، ثم أمر بإحضار ماء مقدس من خيمة الاجتماع. كان هذا الماء ممزوجًا بتراب من أرض المسكن، مما جعله رمزًا لقداسة الله وحكمته. ثم أخذ الكاهن إناءً من الفخار ووضع فيه الماء المقدس. بعد ذلك، أمر الكاهن تمار أن تقف أمام مذبح الرب، وحلَّت شعرها كعلامة على التواضع والاستعداد للحكم الإلهي.
ثم رفع الكاهن يديه إلى السماء وصلى: “أيها الرب الإله، أنت العليم بكل شيء، وأنت الذي تفحص القلوب والكلى. إن كانت هذه المرأة قد أخطأت وخانت زوجها، فليظهر ذلك من خلال هذا الماء المقدس. ولكن إن كانت بريئة، فليكن هذا الماء براءة لها.”
بعد الصلاة، كتب الكاهن اللعنة على لفافة من الرق، ثم غمسها في الماء المقدس. كانت اللعنة تقول: “إذا كنتِ قد خنتِ زوجكِ، فليجعل الرب هذا الماء مرارة في جوفكِ، وليسبب لكِ الألم والعقاب.” ثم أمر الكاهن تمار أن تشرب الماء.
شربت تمار الماء بثقة، وعيناها ترفعان إلى السماء كأنها تطلب الرحمة من الله. وكان الجميع ينتظرون بقلق ليروا ما سيحدث. ولكن لم يظهر على تمار أي ألم أو مرض. بل على العكس، بدت وكأنها تتنفس الصعداء، وكأن ثقلًا كبيرًا قد أُزيح عن كاهلها.
عندها أعلن الكاهن: “يا أليآب، زوجتكِ بريئة. الله قد برأها من التهمة التي وجهتها إليها. فارجع إلى بيتكِ وعِشا بسلام.”
أدرك أليآب أنه كان مخطئًا في شكه، فسجد أمام الله طالبًا المغفرة. ثم عاد مع زوجته إلى خيمتهما، وعاشا في سلام ومحبة من ذلك اليوم فصاعدًا.
وهكذا، من خلال هذه المحكمة الإلهية، حفظ الله قداسة الزواج وأزال الشكوك من قلوب الناس. وكان هذا الحكم تذكيرًا للشعب بأن الله هو العليم بكل شيء، وأنه يحكم بالعدل والحق.