الكتاب المقدس

بداية حكم سليمان: حكمة وتحديات

في الأيام التي تلت موت داود الملك العظيم، جلس سليمان ابنه على عرش إسرائيل، كما أوصى أبوه. وكانت أيام سليمان في بداية حكمه أيامًا مليئة بالحكمة والقرارات المصيرية التي ستحدد مستقبل المملكة. ولكن قبل أن نبدأ في سرد الأحداث، دعونا نعود قليلًا إلى الوراء، إلى اللحظات الأخيرة في حياة داود، حيث كان الملك العجوز على فراش الموت، محاطًا بأبنائه وخدمه.

كان داود يعلم أن أيامه على الأرض قد قاربت على النهاية، فدعا سليمان ابنه إلى جنبه. وكانت غرفة الملك مظلمة بعض الشيء، حيث كانت الشموع تضيء بوهج خافت، وكأنها تعكس حالة الملك الذي كان على وشك الرحيل. قال داود لسليمان بصوت ضعيف لكنه حازم: “يا ابني، أنا ذاهب في طريق كل الأرض، فكن قويًا وكن رجلًا. احفظ وصايا الرب إلهك، وسِر في طرقه، واحفظ فرائضه وأوامره كما هو مكتوب في شريعة موسى، لكي تفلح في كل ما تفعله وحيثما توجهت.”

ثم أضاف داود بتأكيد: “واعلم يا سليمان أن الرب قد وعَدني قائلًا: إن حفظ بنوك طريقهم، وساروا أمامي بأمانة بكل قلبهم وكل نفسهم، فلا يُنقَص منك رجل عن عرش إسرائيل.” كانت كلمات داود مليئة بالثقة في وعود الله، لكنه أيضًا كان يعلم أن سليمان سيُواجه تحديات كبيرة في حكمه.

بعد أن أسلم داود روحه، جلس سليمان على العرش، وكانت المملكة كلها تنتظر بترقب ما سيفعله الملك الجديد. ولكن لم تكن الأمور سهلة، فقد كانت هناك بعض الشخصيات التي كانت تشكل تهديدًا لاستقرار المملكة. ومن بين هؤلاء كان أدونيا، الأخ الأكبر لسليمان، الذي كان قد حاول الاستيلاء على العرش قبل وفاة داود. وكان أدونيا قد طلب من بتشبع أم سليمان أن تتوسط له لدى الملك الجديد ليسمح له بالزواج من أبيشج الشونمية، التي كانت قد خدمت داود في أيامه الأخيرة.

عندما سمع سليمان بطلب أدونيا، أدرك أن هذا الطلب لم يكن بريئًا، بل كان محاولة أخرى من أدونيا للاستيلاء على العرش. فاستدعى سليمان بناياهو بن يهوياداع، قائد حرسه الشخصي، وأمره قائلًا: “اذهب واضرِب أدونيا فليمت.” وهكذا تم تنفيذ حكم سليمان، ومات أدونيا، وكانت هذه أولى الخطوات التي اتخذها سليمان لتأمين عرشه.

ولم تكن هذه هي النهاية، فقد كان هناك أيضًا أبياثار الكاهن، الذي كان قد دعم أدونيا في محاولته للاستيلاء على العرش. فقام سليمان بنفي أبياثار من الخدمة الكهنوتية، وقال له: “اذهب إلى عناتوت إلى حقلك، لأنك مستوجب الموت. ولكنني لا أقتلك اليوم، لأنك حملت تابوت السيد الرب أمام داود أبي، ولأنك شاركت في كل ما تألم أبي.” وهكذا تم إبعاد أبياثار، وأصبح صادوق الكاهن هو الكاهن الوحيد في المملكة.

أما يوآب بن صروية، قائد جيش داود، فقد كان أيضًا من الذين دعموا أدونيا. وعندما سمع يوآب بمقتل أدونيا ونفي أبياثار، هرب إلى خيمة الرب وأمسك بقرون المذبح، ظنًا منه أن ذلك سيحميه من العقاب. ولكن سليمان أرسل بناياهو ليقتل يوآب، وقال له: “اضربه وادفنه، فانزع دم يوآب البريء عني وعن بيت أبي.” وهكذا تم تنفيذ الحكم، ومات يوآب في خيمة الرب.

بعد ذلك، استدعى سليمان شمعي بن جيرا، الذي كان قد أهان داود في الماضي. وأمره سليمان ألا يغادر أورشليم، وحذره قائلًا: “في اليوم الذي تخرج فيه وتجاوز وادي قدرون، اعلم أنك تموت موتًا.” ولكن شمعي خالف الأمر بعد ثلاث سنوات، فقام سليمان بإعدامه أيضًا.

وهكذا، بتدابير حكيمة وحاسمة، أزال سليمان كل التهديدات التي كانت تواجه عرشه. وكانت هذه الأحداث بداية لحكم طويل ومزدهر، حيث ازدهرت المملكة تحت قيادة سليمان، الذي أعطاه الله حكمة وفهمًا عظيمًا.

وفي ختام هذه الأحداث، نرى كيف أن سليمان، بالرغم من صغر سنه، كان قادرًا على اتخاذ قرارات صعبة وحاسمة لتأمين عرشه. وكانت حكمته وقوته علامة على أن الله كان معه، كما وعَد أباه داود. وهكذا بدأت حقبة جديدة في تاريخ إسرائيل، حقبة مليئة بالحكمة والازدهار، تحت حكم الملك سليمان.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *