الكتاب المقدس

تمرد قورح وعقاب الله في البرية

في الأيام التي تلت خروج بني إسرائيل من أرض مصر، وتجولهم في البرية، حدثت قصة عظيمة تحمل في طياتها دروسًا عن الطاعة والتمرد، وعن قداسة الله وعقابه. هذه القصة مذكورة في سفر العدد، الإصحاح السادس عشر، وهي تحكي عن تمرد قورح وداثان وأبيرام وأون، وكيف أن الله تدخل بشكل مباشر ليظهر قداسته ويؤكد سلطانه.

كان قورح من سبط لاوي، وكان معه داثان وأبيرام من سبط رأوبين، وأون أيضًا. هؤلاء الرجال كانوا قد جمعوا حولهم مئتين وخمسين رجلًا من قادة الجماعة، أشخاصًا معروفين ومحترمين بين الشعب. وفي يوم من الأيام، تجمعوا معًا ووقفوا أمام موسى وهارون، وبدأوا يتكلمون بكلمات التمرد.

قال قورح لموسى وهارون: “كفاكما! إن كل الجماعة مقدسة، والرب في وسطها. فلماذا ترفعان أنفسكما فوق جماعة الرب؟” كانت كلمات قورح مليئة بالغطرسة والاتهام. لقد اعتقد هو ومن معه أنهم يستحقون أن يكونوا قادة وكهنة مثل موسى وهارون، متجاهلين أن الله نفسه هو الذي اختارهما لهذه الأدوار.

عندما سمع موسى هذا الكلام، سقط على وجهه، علامة على التواضع والصلاة. ثم قال لقورح وأتباعه: “غدًا يظهر الرب من هو له، ومن هو مقدس فيقربه إليه. من يختاره يقربه إليه.” ثم أضاف موسى: “اسمعوا يا بني لاوي، أليس كافيا لكم أن الله قد ميزكم عن بقية الجماعة وقربكم إليه لخدمة خيمة الرب والوقوف أمام الجماعة لخدمتهم؟ فلماذا تسعون أيضًا إلى الكهنوت؟”

ثم أرسل موسى يستدعي داثان وأبيرام، لكنهما رفضا المجيء، وقالا: “لن نأتي! أليس كافيا أنك أخرجتنا من أرض تفيض لبنًا وعسلًا لتميتنا في البرية؟ أتريد أيضًا أن تتسلط علينا؟” كانت كلماتهما مليئة بالمرارة والاتهام، متجاهلين أن الله هو الذي قادهم في البرية، وأن موسى كان مجرد أداة في يد الرب.

في اليوم التالي، تجمع قورح وأتباعه عند خيمة الاجتماع، وموسى وهارون أيضًا. وكانت الجماعة كلها قد اجتمعت لمشاهدة ما سيحدث. فقال موسى للجماعة: “بهذا تعلمون أن الرب أرسلني لأفعل كل هذه الأعمال، وأنها ليست من عندي. إن هؤلاء الرجال يموتون موتًا عاديًا، أو يصيبهم ما يصيب كل البشر، فليس الرب أرسلني. ولكن إن خلق الرب خلقًا جديدًا، فتحت الأرض فاها وابتلعتهم مع كل ما لهم، فهبطوا أحياء إلى الهاوية، فتعلمون أن هؤلاء الرجال قد ازدروا بالرب.”

وبمجرد أن انتهى موسى من كلامه، انشقت الأرض تحت أقدام قورح وداثان وأبيرام وعائلاتهم، وابتلعتهم مع كل ما كان لهم. وهبطوا أحياء إلى الهاوية، وأغلقت الأرض فوقهم، فماتوا في وسط الجماعة. أما النار التي خرجت من عند الرب، فأكلت المئتين والخمسين رجلًا الذين قدموا البخور، كعلامة على أنهم تجاوزوا حدودهم وحاولوا أن يأخذوا ما لم يكن لهم.

وفي اليوم التالي، تذمر كل جماعة بني إسرائيل ضد موسى وهارون، قائلين: “أنتما قتلتما شعب الرب.” ولكن عندما اجتمعت الجماعة ضد موسى وهارون، ظهر مجد الرب في السحابة، وبدأت الضربة تأتي على الشعب. فأسرع موسى وهارون إلى خيمة الاجتماع، وأمر موسى هارون أن يأخذ المجمرة ويضع فيها بخورًا من على المذبح، ويذهب إلى الجماعة ليكفر عنهم، لأن الغضب قد خرج من عند الرب. ففعل هارون كما أمره موسى، ووقف بين الأموات والأحياء، فانقطعت الضربة. ولكن عدد الذين ماتوا بالضربة كان أربعة عشر ألفًا وسبعمئة، بالإضافة إلى الذين ماتوا بسبب قورح.

هذه القصة تذكرنا بقداسة الله وخطورة التمرد على قيادته. لقد اختار الله موسى وهارون لقيادة الشعب، وأي محاولة لتحدي هذا الاختيار كانت تعني التحدي المباشر لإرادة الله. كما أن القصة تظهر رحمة الله، عندما تدخل هارون ليكفر عن الشعب ويوقف الضربة. فالله قدوس ولا يتسامح مع الخطية، ولكنه في نفس الوقت رحيم ويستجيب للتوبة والكفارة.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *