في الأيام التي قاد فيها موسى شعب إسرائيل عبر البرية، بعد خروجهم من أرض مصر، جاءت مجموعة من النساء إلى خيمة الاجتماع، حيث كان موسى يقابل الرب ويتلقى الوصايا. كانت هؤلاء النساء بنات صَلُفْحَاد، الرجل الذي كان من سبط منسى، وقد مات في البرية دون أن يترك أبناءً ذكورًا يرثون أرضه. كانت بناته الخمس: مَحْلَةَ، ونُوعَةَ، وَحَجْلَةَ، وَمِلْكَةَ، وَتِرْصَةَ.
واقتربن من موسى وأليعازر الكاهن، ورؤساء الشعب، وقلن بجرأة وإيمان: “أبانا مات في البرية، ولم يكن من الذين تجمعوا ضد الرب في جماعة قورح، بل مات بخطيئته الخاصة. ولم يكن له أبناء. لماذا يُحرم اسم أبينا من بين عشيرته لأنه لم يكن له ابن؟ أعطِنا ملكًا بين إخوة أبينا!”
كانت هذه الطلبة غير مسبوقة، فلم يكن من العادة أن ترث النساء في إسرائيل. لكن موسى، الذي كان دائمًا مستعدًا لسماع صوت الرب، أحال الأمر إلى الله. فصعد موسى إلى جبل الرب، وهناك تلقى كلمة من العلي: “حقًا تكلمت بنات صَلُفْحَاد بحق. أعطهن ملكًا من نصيب أبيهن، وأجعل نصيبه ينتقل إليهن. وقُل لبني إسرائيل: إذا مات رجل ولم يكن له ابن، فتنقلون ميراثه إلى ابنته. وإن لم تكن له ابنة، فتعطون ميراثه لإخوته. وإن لم يكن له إخوة، فتعطون ميراثه لإخوة أبيه. وإن لم يكن لأبيه إخوة، فتعطون ميراثه لأقربائه من عشيرته، فيرثونه.”
وهكذا، بتدبير إلهي، أُعطيت بنات صَلُفْحَاد نصيبًا بين إخوة أبيهن، وصار هذا حكمًا في إسرائيل. كانت هذه الحادثة علامة على عدل الله ورحمته، حيث لا يهمل صوت الضعيف، بل يسمع صراخ المحتاجين ويجيب طلبتهم.
وفي تلك الأيام أيضًا، أوصى الرب موسى أن يصعد إلى جبل عباريم، لينظر إلى الأرض التي أعطاها لبني إسرائيل، لأنه لن يدخلها بسبب ما حدث في ماء مريبة، حيث ضرب الصخرة بدلًا من أن يكلمها ليخرج الماء. فقال الرب لموسى: “خذ يشوع بن نون، رجلاً فيه روح، وضع يدك عليه. وأوقفه أمام أليعازر الكاهن وأمام كل الجماعة، وأوصِه أمام أعينهم. واجعل من هيبتك عليه، لكي يسمع له كل جماعة بني إسرائيل.”
ففعل موسى كما أمره الرب، وأخذ يشوع وأوقفه أمام أليعازر الكاهن وأمام كل الجماعة، ووضع يديه عليه وأوصاه. وهكذا، تمت وصية الرب، وصار يشوع خليفة لموسى، ليقود الشعب إلى الأرض الموعودة.
وهكذا، في كل هذه الأحداث، ظهرت حكمة الله وعدله، حيث رفع صوت النساء، وأعد قائدًا جديدًا لشعبه، مؤكدًا أن خطته لا تُعاق، وأن وعوده تتحقق في الوقت المعين.
