الكتاب المقدس

يد الله الخفية: قصة مردخاي وهامان

في تلك الأيام، عندما كان الملك أحشويروش يحكم على مملكة فارس المترامية الأطراف، حدث أمر عجيب يُظهر يد الله الخفية التي تعمل في حياة شعبه. كان هناك رجل يهودي اسمه مردخاي، وهو من سبط بنيامين، قد أنقذ حياة الملك من مؤامرة دبرها خصمان من خدم الملك، وهما بغثان وترش. لكن مردخاي لم يتلقَّ أي تكريم أو مكافأة على فعله هذا، بل ظلّ يعيش في تواضع ووفاء لله.

وفي تلك الليلة، لم يستطع الملك أحشويروش أن ينام. فطلب أن تُقرأ عليه سجلات الأيام، أي السجلات التي كانت تُدوّن فيها الأحداث العظيمة التي جرت في مملكته. وبينما كان الخدم يقرأون له، وصلوا إلى الجزء الذي ذكر فيه كيف أن مردخاي قد كشف عن المؤامرة التي دبرها بغثان وترش لاغتيال الملك. فسأل الملك: “هل كُرِّم مردخاي على هذا الفعل؟ وهل أُعطيَ أيّ تقدير أو مكافأة؟” فأجاب الخدم: “لم يُعطَ أي شيء”.

وفي الصباح الباكر، بينما كان هامان، الوزير الأعلى للملك، يدخل إلى دار الملك ليطلب من الملك أن يُعلِّق مردخاي على الخشبة التي أعدها له، قال الملك له: “تعالَ أيها الوزير هامان، ماذا يجب أن يُفعل للرجل الذي يُسرُّ الملك بتكريمه؟” فظن هامان في قلبه: “من غيري يُسرُّ الملك بتكريمه؟” فأجاب هامان: “للرجل الذي يُسرُّ الملك بتكريمه، ليُحضروا ثوبًا ملكيًّا من ثياب الملك التي يلبسها، ويُحضروا فرسًا من خيل الملك التي يركبها، ويوضع تاج ملكي على رأسه. ثم يُسلَّم الثوب والفرس إلى أحد أشراف الملك، فيُلبس الرجل الذي يُسرُّ الملك بتكريمه، ويُركبه على الفرس في ساحة المدينة، وينادي أمامه: هكذا يُفعل للرجل الذي يُسرُّ الملك بتكريمه!”

فقال الملك لهامان: “أسرع وخذ الثوب والفرس كما قلت، وافعل هذا لمردخاي اليهودي الجالس عند باب الملك. لا تُهمل شيئًا مما ذكرت”. فاضطر هامان، وهو ممتلئ غيظًا وحزنًا، أن يفعل كما أمر الملك. فأخذ الثوب والفرس، وألبس مردخاي الثوب الملكي، وأركبه على الفرس، وسار أمامه في ساحة المدينة وهو ينادي: “هكذا يُفعل للرجل الذي يُسرُّ الملك بتكريمه!”

وبعد أن انتهى هذا المشهد، عاد مردخاي إلى باب الملك، بينما عاد هامان إلى بيته حزينًا ومغطى الرأس. وقصّ هامان على زوجته وأصدقائه كل ما حدث. فقالوا له: “إن كان مردخاي من نسل اليهود، فلن تستطيع أن تقف أمامه، بل ستسقط أمامه سقوطًا تامًّا”. وفي تلك اللحظة، دخل خدام الملك ليأخذوا هامان إلى الوليمة التي أعدتها الملكة إستير، حيث ستكشف عن مخطط هامان الشرير لاستئصال الشعب اليهودي.

وهكذا، نرى في هذه القصة كيف أن الله يعمل في الخفاء لإنقاذ شعبه، وكيف أن كبرياء الإنسان تسقط أمام تواضع المؤمنين. فمجد الله يظهر في أصغر التفاصيل، وهو الذي يرفع المتواضعين ويضع المتكبرين.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *