الكتاب المقدس

رحبعام والتأديب الإلهي: درس في التواضع والرحمة

في الأيام التي حكم فيها رحبعام بن سليمان على مملكة يهوذا، حدثت أمور عظيمة تُظهر قوة الله ورحمته وتأديبه. كان رحبعام قد تخلّى عن طرق الرب بعد أن تمكن ملكه واستقرت أموره. فترك شريعة الرب، وتبع هو وكل إسرائيل خطايا الأوثان والشرور. فلما رأى الرب أن قلوبهم قد ابتعدت عنه، أرسل عليهم تأديبًا ليردهم إلى طريقه المستقيم.

وفي السنة الخامسة من حكم رحبعام، صعد شيشق ملك مصر إلى أورشليم بجيش عظيم، ومعه ألف ومئتا مركبة وستون ألف فارس، وكان معه عدد لا يُحصى من الشعوب التي جاءت معه من مصر: لوبيين وسكيين وكوشيين. فحاصر شيشق مدن يهوذا الحصينة حتى وصل إلى أورشليم. وكان رحبعام وقادته قد تجمعوا في المدينة خائفين من جيش مصر الجرار.

وفي تلك الأثناء، جاء النبي شمعيا إلى رحبعام ورؤساء يهوذا الذين اجتمعوا في أورشليم بسبب شيشق، وقال لهم: “هكذا يقول الرب: أنتم قد تركوني، وأنا أيضًا قد تركتكم ليد شيشق.” فلما سمع رحبعام والقادة هذه الكلمات، تواضعوا وقالوا: “الرب عادل.” فلما رأى الرب أنهم تواضعوا، جاءت كلمة الرب إلى شمعيا قائلة: “قد تواضعوا، فلن أهلكهم، بل سأمنحهم نجاة قليلة، ولا يُسكب غضبي على أورشليم بيد شيشق. ولكنهم يكونون له عبيدًا ليعلموا الفرق بين خدمتي وخدمة ممالك الأرض.”

فصعد شيشق ملك مصر إلى أورشليم وأخذ خزائن بيت الرب وخزائن بيت الملك، وأخذ كل شيء، حتى أخذ أتراس الذهب التي كان سليمان قد عملها. فعمل الملك رحبعام عوضًا عنها أتراسًا من نحاس، وسلّمها ليد رؤساء الحرس الذين يحرسون باب بيت الملك. وكان كلما دخل الملك إلى بيت الرب، يأتي الحرس ويحملونها، ثم يعيدونها إلى غرفة الحرس.

ورغم هذا التأديب، لم يزل رحبعام يتعثر في خطاياه. ومع ذلك، كانت هناك أيام سلام بينه وبين شيشق، لأن رحبعام تواضع أمام الرب، فلم يُهلكه الله تمامًا. بل كانت في يهوذا أمور صالحة أيضًا. وعاش رحبعام في أورشليم، وبنى مدنًا لحماية مملكته. وكانت أمه نعمة عمونية، وكانت حياته مليئة بالصراعات الداخلية والخارجية بسبب خطاياه وعدم تمسكه الكامل بشريعة الرب.

وفي النهاية، مات رحبعام ودفن في مدينة داود، وملك ابنه أبيّا بعده. وهكذا تُظهر هذه القصة أن الله يؤدب من يحب، ولكنه أيضًا يرحم من يتواضع ويعترف بخطاياه. فليتعلّم كل من يقرأ هذه القصة أن التواضع أمام الرب هو الطريق إلى النجاة، وأن ترك وصايا الله يؤدي إلى التأديب، ولكن رحمة الله دائمًا تكون منتظرة لمن يرجع إليه بقلب صادق.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *