الكتاب المقدس

يونس في بطن الحوت: درس في التوبة والثقة بالله

في يوم من الأيام، كان النبي يونس (عليه السلام) في بطن الحوت العظيم، بعد أن ألقى بنفسه في البحر الهائج لينجو من غضب الله. كان البحر يزمجر والأمواج تتلاطم، وكأنها تريد أن تبتلع كل شيء في طريقها. ولكن الله أراد ليونس أن يتعلم درسًا عظيمًا، فجعل الحوت يبتلعه دون أن يؤذيه. وفي ظلمة بطن الحوت، بدأ يونس يتأمل في حاله، ويشعر بالندم الشديد على عصيانه لأمر الله.

في تلك الظلمة العميقة، حيث لا يرى الإنسان شيئًا، ولا يسمع إلا صوت الأمواج التي تحيط بالحوت، رفع يونس قلبه إلى الله. بدأ يصلي من أعماق روحه، معترفًا بخطيئته، ومقرًا بأن الله هو الملجأ الوحيد في كل ضيق. قال يونس في صلاته: “دَعَوْتُ مِنْ ضِيقِي الرَّبَّ، فَاسْتَجَابَ لِي. مِنْ جَوْفِ الْهَاوِيَةِ صَرَخْتُ، فَسَمِعْتَ صَوْتِي.”

كان يونس يشعر بأنه قد وصل إلى أقصى درجات اليأس، وكأنه في قاع الجحيم نفسه. لكنه تذكر أن الله قريب من كل من يدعوه بإخلاص. فاستمر في صلاته قائلًا: “لأَنَّكَ أَنْتَ أَلْقَيْتَنِي فِي الْعُمْقِ، فِي قَلْبِ الْبِحَارِ، فَأَحَاطَ بِي سَيْلٌ. جَمِيعُ تَيَّارَاتِكَ وَأَمْوَاجُكَ تَغْمُرُنِي.”

في تلك اللحظات، كان يونس يعترف بسلطان الله على كل شيء، حتى على الأمواج العاتية التي كانت تحيط بالحوت. كان يعلم أن الله هو الذي سمح له بأن يكون في هذا الموقف الصعب، ليعلمه درسًا في الطاعة والثقة. فتابع صلاته: “فَقُلْتُ: قَدْ طُرِدْتُ مِنْ أَمَامِ عَيْنَيْكَ. لَكِنِّي أَعُودُ أَنْظُرُ إِلَى هَيْكَلِ قُدْسِكَ.”

كان يونس يعلم أن الله لم يتركه، بل كان يراقبه حتى في أعمق الظلمات. فاستمر في التضرع إلى الله، طالبًا الرحمة والمغفرة: “اِحْتَاطَتْ بِي الْمِيَاهُ إِلَى النَّفْسِ. الْغَمْرُ أَحَاطَ بِي. الْحُشَاشُ اِلْتَفَّ بِرَأْسِي. إِلَى أُسُسِ الْجِبَالِ نَزَلْتُ. الأَرْضُ أَغْلَقَتْ عَلَيَّ مُرَاسِيهَا إِلَى الدَّهْرِ.”

وفي وسط هذا الكرب العظيم، تذكر يونس رحمة الله التي لا تنتهي. فرفع صوته قائلًا: “أَمَّا أَنَا فَبِصَلاَةٍ وَتَضَرُّعٍ أَتَقَدَّمُ إِلَيْكَ. هَيْكَلُ قُدْسِكَ هُوَ الْمَنْجَى. أَمَّا الَّذِينَ يَتَّكِلُونَ عَلَى الأَصْنَامِ الْبَاطِلَةِ، فَيَتْرُكُونَ رَحْمَتَهُمْ.”

ثم اختتم يونس صلاته بتسبيح الله، معترفًا بأن الخلاص لا يأتي إلا منه: “أَمَّا أَنَا فَبِذَبِيحَةِ التَّسْبِيحِ أَذْبَحُ لَكَ. مَا نَذَرْتُهُ أُوفِيهِ. الْخَلاَصُ هُوَ لِلرَّبِّ.”

وفي تلك اللحظة، عندما انتهى يونس من صلاته، أمر الله الحوت أن يلفظ يونس إلى اليابسة. فخرج يونس من بطن الحوت، وكأنه ولد من جديد، ممتلئًا بالشكر والتسبيح لله الذي أنقذه من الهلاك. وعاد يونس إلى طاعة الله، وعلم أن رحمة الله أعظم من كل خطيئة، وأن توبته مقبولة عند الله.

وهكذا، تعلم يونس درسًا عظيمًا في الطاعة والثقة بالله، وأصبحت قصته عبرة لكل من يعصي أمر الله ثم يتوب إليه بإخلاص.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *