الكتاب المقدس

داود يعفو عن شاول: إيمان وعدل في برية صيف

في الأيام التي كان فيها شاول الملك يطارد داود ليقتله، حدثت قصة عظيمة مليئة بالعبر والإيمان. كان داود قد هرب إلى برية صيف، وهي منطقة قاحلة مليئة بالصخور والوديان العميقة. كان شاول قد جمع ثلاثة آلاف رجل من خيرة جنوده ليبحثوا عن داود وأتباعه، الذين كانوا يختبئون في تلك البرية القاسية.

وفي إحدى الليالي، بينما كان شاول وجنوده نائمين في معسكرهم، تسلل داود ورجاله بالقرب من المكان. كان المعسكر محاطًا بالحراس، لكن داود، بفضل حكمة الله، تمكن من الاقتراب دون أن يلاحظه أحد. كان المعسكر هادئًا، والنجوم تتلألأ في السماء، والريح تعصف بلطف عبر الصحراء.

وقف داود مع أبيشاي، أحد أبرز رجاله، ونظرا إلى المكان حيث كان شاول نائمًا وسط جنوده. كان أبيشاي متحمسًا وقال لداود: “اليوم قد سلم الله عدوك ليدك. دعني أطعنه بالرمح إلى الأرض مرة واحدة، ولن أحتاج إلى طعنة ثانية!”

لكن داود هز رأسه بحزن وقال: “لا تقتله! من يمد يده إلى مسيح الرب ولا يُعاقب؟ الرب نفسه سيحاسبه، إما أن يأتي يومه فيموت، أو ينزل إلى الحرب فيهلك. ولكن حاشا لي أن أمد يدي إلى مسيح الرب!”

ثم أخذ داود الرمح وجرة الماء التي كانت بجانب شاول، وهي علامة على قوته وسلطته، وانسحب هو وأبيشاي من المعسكر دون أن يوقظوا أحدًا. تسللا عبر الظلام وعادا إلى مكانهما الآمن.

وفي الصباح، وقف داود على قمة تل بعيد ونادى بأعلى صوته نحو معسكر شاول. نادى أبيشاي وقال: “ألا تجيب يا أبينير؟” فاستيقظ أبيشاي ورجال شاول مذعورين، ونظروا حولهم ليروا من الذي يناديهم.

فقال داود: “ألست أنت رجلاً؟ ومن مثلك في إسرائيل؟ فلماذا لم تحرس سيدك الملك؟ فقد جاء واحد من الشعب ليهلك سيدك الملك. هذا الأمر ليس حسنًا ولا جيدًا ما فعلت. فانظروا، ها هي رمح الملك وجرة الماء التي كانت عند رأسه!”

عندها عرف شاول صوت داود، فنادى: “أهذا صوتك يا ابني داود؟” فأجاب داود: “نعم يا سيدي الملك. لماذا تطارد عبدك؟ ماذا فعلت؟ وما هو الشر الذي في يدي؟ فإن كان الرب قد أثارك عليّ، فليتقبل ذبيحة. ولكن إن كان بنو البشر هم الذين أثاروك، فليكنوا ملعونين أمام الرب، لأنهم قد طردوني اليوم من الاشتراك في ميراث الرب قائلين: اذهب اعبد آلهة أخرى. فلا تسفك دمي على الأرض بعيدًا عن وجه الرب، لأن ملك إسرائيل قد خرج ليبحث عن برغوث واحد، كما يطارد أحدهم طائرًا في الجبال.”

فأجاب شاول: “قد أخطأت. ارجع يا ابني داود، لأني لا أضرك بعد، لأن نفسي كانت ثمينة في عينيك اليوم. ها أنا قد حمقت وأخطأت كثيرًا.”

فقال داود: “ها هو رمح الملك، فليأتِ واحد من الغلمان وأخذه. والرب يجازي كل واحد حسب بره وأمانته، لأن الرب دفعك اليوم ليدي، ولكني لم أشأ أن أمد يدي إلى مسيح الرب. وليكن اليوم كما قدّر الرب، فأنا أسلمت نفسك اليوم في يدي، فليكافئك الرب خيرًا.”

وهكذا انصرف داود في طريقه، وعاد شاول إلى مكانه. لكن القلوب كانت قد تغيرت، وداود ظل أمينًا للرب، مؤمنًا بأن الله سيحقق وعوده في الوقت المناسب. وهذه القصة تذكرنا بأن الانتقام ليس بأيدينا، بل للرب الذي يحكم بالعدل والرحمة.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *