الكتاب المقدس

حكمة أليفاز وتواضع باراق: درس في السلام والحكمة

في قديم الزمان، في قرية صغيرة محاطة بجبال شاهقة ووديان خضراء، عاش رجل يُدعى أليفاز. كان أليفاز معروفًا بين أهل القرية بحكمته وفهمه العميق لكلمة الله. كان يقضي أيامه في دراسة الكتب المقدسة، ويُعلّم الناس دروسًا من الأمثال والحكم. وكان دائمًا ما يُذكّر أهل القرية بقول سليمان الحكيم: “اَلرَّجُلُ الْمُعْزُولُ يَطْلُبُ هَوَاهُ، وَيُقَاوِمُ كُلَّ تَدْبِيرٍ حَكِيمٍ” (أمثال 18: 1).

في أحد الأيام، بينما كان أليفاز جالسًا تحت شجرة تين كبيرة يتأمل في كلمة الله، سمع صوتًا عاليًا قادمًا من وسط القرية. كان صوت رجل يُدعى باراق، الذي كان معروفًا بحدّته وغضبه السريع. باراق كان يتجادل مع جاره حول قطعة أرض صغيرة، وكلاهما كان يصرّ على أنه الأحق بها. وصل الجدال إلى ذروته، وكاد أن يتحول إلى عراك.

أسرع أليفاز إلى المكان، وحاول أن يهدئ من روعهما. قال لهما: “أيها الإخوة، اسمعا كلمة الحكمة: ‘اَلْجَاهِلُ لاَ يُسَرُّ بِالْفَهْمِ، بَلْ بِإِعْلاَنِ قَلْبِهِ’ (أمثال 18: 2). لماذا تتصارعان على شيء زائل، بينما يمكنكما أن تجدا حلاً يرضي كليكما؟”

لكن باراق، الذي كان غارقًا في غضبه، لم يستمع إلى نصيحة أليفاز. بدلاً من ذلك، أدار ظهره ورفض أن يسمع أي كلمة حكمة. قال بغطرسة: “أنا أعرف ما هو الأفضل لي، ولا أحتاج إلى نصيحة أحد!” ثم انصرف وهو يتمتم بكلمات غاضبة.

في الأيام التالية، لاحظ أهل القرية أن باراق أصبح أكثر عزلة. كان يتجنب الناس، ويقضي وقته وحيدًا، متمسكًا برأيه دون أن يستمع إلى أحد. وفي الوقت نفسه، كان جاره، الذي استمع إلى نصيحة أليفاز، قد وجد حلاً سلميًا للنزاع، وعادت العلاقات بينه وبين الآخرين إلى طبيعتها.

وفي أحد الأيام، بينما كان باراق يسير وحيدًا في الحقل، سمع صوتًا هادئًا يناديه. التفت فوجد شيخًا حكيمًا يجلس تحت شجرة زيتون. قال الشيخ: “يا بني، ‘قَبْلَ الْكَسْرِ يَتَكَبَّرُ قَلْبُ الإِنْسَانِ، وَقَبْلَ الْكَرَامَةِ التَّوَاضُعُ’ (أمثال 18: 12). لماذا ترفض أن تسمع نصيحة الحكماء؟ ألا ترى أن العزلة التي تعيشها هي نتيجة لغرورك؟”

تأثر باراق بكلمات الشيخ، وأدرك خطأه. عاد إلى القرية واعتذر من جاره، وطلب من أليفاز أن يعلمه الحكمة. ومنذ ذلك اليوم، أصبح باراق تلميذًا لأليفاز، يتعلم منه دروس الحياة من خلال كلمة الله.

وفي النهاية، تعلم باراق أن “اَلْقَلْبُ الْفَهِيمُ يَقْتَنِي مَعْرِفَةً، وَأُذُنُ الْحُكَمَاءِ تَطْلُبُ عِلْمًا” (أمثال 18: 15). وأصبح هو أيضًا مصدرًا للحكمة في القرية، يُعلّم الآخرين أهمية التواضع والاستماع إلى نصيحة الحكماء.

وهكذا، عاشت القرية في سلام ووئام، يتذكرون دائمًا أن “اَلْكَلِمَةُ الْمَنْطُوقَةُ فِي مَحَلِّهَا كَتُفَّاحَاتِ ذَهَبٍ فِي مَصَاوِغَ مِنْ فِضَّةٍ” (أمثال 18: 20). وكان أليفاز وباراق مثالًا حيًا على قوة الكلمة الحكيمة التي تُصلح القلوب وتجلب البركة.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *