الكتاب المقدس

عظة يسوع على الجبل: نور الحكمة والمحبة

في ذلك اليوم، اجتمع جمعٌ غفيرٌ حول يسوع على جبلٍ قريبٍ من بحر الجليل. كانت الشمس تشرق بلون ذهبيّ، تلمع على وجوه الحاضرين الذين جاءوا من كلّ حدبٍ وصوبٍ ليسمعوا كلمات هذا الرجل الذي أثار دهشتهم بحكمته وقوّته. كان الجوّ هادئًا، والريح تعانق الأشجار بلطف، وكأنّ الطبيعة نفسها تترقّب ما سيقوله يسوع.

جلس يسوع على صخرةٍ مرتفعةٍ، ونظر إلى الجمع بعينين مليئتين بالحبّ والحكمة. ثمّ فتح فاه وبدأ يتكلّم بصوتٍ هادئٍ لكنّه مليءٌ بالسلطان. قال: “طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ بِالرُّوحِ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ.” توقّف للحظة، وكأنّه يريد أن تترسّخ هذه الكلمات في قلوب سامعيه. ثمّ واصل: “طُوبَى لِلْحَزَانَى، لأَنَّهُمْ يَتَعَزَّوْنَ. طُوبَى لِلْوُدَعَاءِ، لأَنَّهُمْ يَرِثُونَ الأَرْضَ.”

كانت كلماته تلامس قلوب الحاضرين، وكأنّها تفتح أبوابًا جديدةً لفهم الحياة. ثمّ تابع: “طُوبَى لِلْجِيَاعِ وَالْعِطَاشِ إِلَى الْبِرِّ، لأَنَّهُمْ يُشْبَعُونَ. طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ، لأَنَّهُمْ يُرْحَمُونَ. طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ، لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ اللهَ.”

كانت عيون الناس تتّسع دهشةً، فالكلمات التي كانوا يسمعونها كانت تختلف تمامًا عن تعاليم العالم. ثمّ أكمل يسوع: “طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللهِ يُدْعَوْنَ. طُوبَى لِلْمَطْرُودِينَ مِنْ أَجْلِ الْبِرِّ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ.”

ثمّ رفع صوته قليلًا، وكأنّه يريد أن يصل صوته إلى أبعد نقطة: “طُوبَى لَكُمْ إِذَا عَيَّرُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ وَقَالُوا عَلَيْكُمْ كُلَّ كَلِمَةٍ شِرِّيرَةٍ، مِنْ أَجْلِي، كَاذِبِينَ. اِفْرَحُوا وَتَهَلَّلُوا، لأَنَّ أَجْرَكُمْ عَظِيمٌ فِي السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُمْ هكَذَا طَرَدُوا الأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ.”

كانت كلماته تملأ الجوّ بروحٍ من الفرح والسلام، رغم أنّها كانت تتحدّث عن الاضطهاد والألم. ثمّ بدأ يسوع يشرح لهم كيف يجب أن تكون حياتهم: “أَنْتُمْ مِلْحُ الأَرْضِ، وَلكِنْ إِنْ فَسَدَ الْمِلْحُ فَبِمَاذَا يُمَلَّحُ؟ لاَ يَصْلُحُ بَعْدُ لِشَيْءٍ، إِلاَّ لأَنْ يُطْرَىَ وَيُطْرَحَ خَارِجًا وَيَدُوسَهُ النَّاسُ.”

ثمّ نظر إليهم بعينين مليئتين بالحبّ والجدّية: “أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ. لاَ يُمْكِنُ أَنْ تُخْفَىَ مَدِينَةٌ مَوْضُوعَةٌ عَلَى جَبَل. وَلاَ يُوقِدُونَ سِرَاجًا وَيَضَعُونَهُ تَحْتَ الْمِكْيَالِ، بَلْ عَلَى الْمَنَارَةِ فَيُضِيءُ لِجَمِيعِ الَّذِينَ فِي الْبَيْتِ. فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ.”

كانت كلماته تلامس قلوبهم، وكأنّها توقظ فيهم رغبةً في أن يعيشوا حياةً مختلفةً، حياةً مليئةً بالنور والمحبّة. ثمّ بدأ يسوع يشرح لهم كيف يجب أن تكون علاقتهم بالناموس: “لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ.”

ثمّ تكلّم عن الغضب والتصالح: “قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَقْتُلْ، وَمَنْ قَتَلَ يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَغْضَبُ عَلَى أَخِيهِ بَاطِلاً يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ.”

ثمّ تكلّم عن الزنى والطهارة: “قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَزْنِ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى امْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا، فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ.”

ثمّ تكلّم عن الطلاق: “وَقِيلَ: مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَلْيُعْطِهَا كِتَابَ طَلاَقٍ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إِلاَّ لِعِلَّةِ الزِّنَى يَجْعَلُهَا تَزْنِي، وَمَنْ يَتَزَوَّجُ مُطَلَّقَةً فَإِنَّهُ يَزْنِي.”

ثمّ تكلّم عن القسم: “أَيْضًا سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَحْنَثْ، بَلْ أَوْفِ لِلرَّبِّ أَقْسَامَكَ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تَحْلِفُوا الْبَتَّةَ.”

ثمّ تكلّم عن المحبّة: “سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ.”

كانت كلماته تملأ الجوّ بروحٍ من المحبّة والغفران، وكأنّها تفتح أبوابًا جديدةً لفهم العلاقات الإنسانيّة. ثمّ ختم يسوع كلامه بقوله: “فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ.”

وبعد أن انتهى يسوع من كلامه، كان الجمع واقفًا في صمتٍ عميقٍ، وكأنّ كلماته كانت تتردّد في قلوبهم. كانوا يشعرون بأنّهم قد سمعوا شيئًا جديدًا، شيئًا يغيّر حياتهم إلى الأبد. وكانت الشمس تبدأ في الغروب، تلوّح بضوئها الذهبيّ على الجبل، وكأنّها تبارك هذا اللقاء المقدّس بين السماء والأرض.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *