في الأيام التي قاد فيها موسى شعب إسرائيل عبر البرية، أوصاه الرب بتقديم ذبائح وقرابين منتظمة كعلامة على العهد بين الله وشعبه. وكانت هذه الذبائح تُقدَّم في أوقات محددة، كتعبير عن الشكر والتوبة والطاعة لله. وفي سفر العدد، الإصحاح الثامن والعشرين، نجد تفاصيل دقيقة عن هذه الذبائح اليومية والأسبوعية والشهرية والسنوية.
في صباح يوم مشرق، تجمّع الشعب حول خيمة الاجتماع، حيث كان موسى وهارون يقفان أمام الرب. كان الجو مليئًا بالرهبة والوقار، إذ كان الجميع يعلمون أنهم يقفون في حضرة الله القدوس. بدأ موسى يتلو على الشعب كلمات الرب، قائلًا: “هكذا يقول الرب: تقدِّمون لي ذبيحة محرقة كل يوم، خروفين حوليين بلا عيب. يُقدَّم خروف في الصباح، وخروف في المساء.”
كانت الذبيحة اليومية تُقدَّم مع تقدمة من دقيق مخلوط بزيت، وسكيب من خمر. وكانت هذه الذبائح تُحرَق على المذبح، ورائحة البخور تتصاعد إلى السماء، كعلامة على قبول الله لعبادة شعبه. كان الشعب يرى الدخان يتصاعد ويختفي في السماء، فيشعرون بالسلام والرضا، لأنهم يعلمون أن الله يقبل عبادتهم.
وفي يوم السبت، كانت تُقدَّم ذبيحة إضافية، خروفان حوليان بلا عيب، مع تقدمة وسكيب. كان السبت يومًا مقدسًا، يوم راحة وتكريس للرب. وكان الشعب يتوقف عن أعمالهم اليومية ليتفرغوا للعبادة والتأمل في أعمال الله العظيمة.
وعند بداية كل شهر، كان الشعب يُقدِّم ذبيحة خاصة للرب. كانوا يُقدِّمون ثورين وكبشًا وسبعة خراف حولية بلا عيب، مع تقدمة وسكيب. وكانت هذه الذبائح تُقدَّم مع ذبيحة خطية، كبش واحد، للتكفير عن خطايا الشعب. كان الشهر الجديد يُعتبر بداية جديدة، فرصة للتوبة والتجديد.
وفي الأعياد السنوية، مثل عيد الفصح وعيد الخمسين وعيد المظال، كانت تُقدَّم ذبائح خاصة. كانت هذه الأعياد تُذكِّر الشعب بأعمال الله العظيمة في تاريخهم، مثل خلاصهم من العبودية في مصر وإعطائهم الأرض الموعودة.
كانت الذبائح تُقدَّم بقلوب مليئة بالشكر والتسبيح. وكان الكهنة، بقيادة هارون، يقومون بتقديم الذبائح على المذبح، بينما كان الشعب يصلّي ويرنم ترانيم الحمد لله. كانت هذه الطقوس تُذكِّر الشعب بقداسة الله وحاجتهم الدائمة إلى التكفير عن خطاياهم.
وهكذا، كان شعب إسرائيل يعيش في علاقة وثيقة مع الله، من خلال الذبائح والقرابين. كانت هذه الطقوس تُعبِّر عن إيمانهم بالله ورجائهم في رحمته وغفرانه. وكانوا يعلمون أن الذبائح ليست مجرد طقوس خارجية، بل هي تعبير عن قلوب تطلب وجه الله وتشتهي شركته.
وفي كل مرة كانوا يُقدِّمون الذبيحة، كانوا يتذكرون الوعد الإلهي بمجيء المسيا، الذي سيكون الذبيحة الكاملة التي تُطهِّرهم من كل خطية. وكانوا ينتظرون بفارغ الصبر ذلك اليوم الذي فيه تُستبدل الذبائح الحيوانية بذبيحة واحدة كاملة، تُقدِّم الغفران الأبدي لكل من يؤمن.
وهكذا، كانت حياة شعب إسرائيل في البرية مليئة بالعبادة والتسبيح، وكانت الذبائح اليومية والأسبوعية والشهرية والسنوية تُذكِّرهم دائمًا بوجود الله معهم، وبحاجتهم الدائمة إلى نعمته ورحمته.