الكتاب المقدس

عهد الله مع إبراهيم: وعد الختان والبركة

في اليوم الذي تجلّت فيه إرادة الله العظيمة لإبراهيم، كان الرجل البالغ من العمر تسعًا وتسعين عامًا جالسًا في خيمته الواسعة، محاطًا بقطعان غنمه وماشيته التي باركها الله له. كانت الشمس تشرق ببهاء على أرض كنعان، والأرض الخصبة تتنفس برائحة الحياة. وفجأة، ظهر الرب لإبراهيم في رؤيا مهيبة، وكلمه بصوت عظيم مليء بالسلطان والمحبة.

قال الرب: “أنا الله القدير. سر أمامي وكن كاملاً. وأجعل عهدي بيني وبينك، وأكثرك كثيرًا جدًا.”

سقط إبراهيم على وجهه ساجدًا، وهو يرتعد من عظمة هذا الظهور الإلهي. كان قلبه يخفق بقوة، وشعر بثقل المجد الإلهي يحيط به. ثم تابع الرب كلامه: “أنا هوذا عهدي معك، وتكون أبا لجمهور من الأمم. ولا يُدعى اسمك بعد إبراهيم، بل يكون اسمك إبراهيم، لأني أجعلك أبا لجمهور من الأمم. وأثمرك كثيرًا جدًا، وأجعلك أممًا، وملوك منك يخرجون.”

كانت كلمات الله تملأ الهواء بوعود عظيمة، وكأنها تنسج مستقبلاً مجيدًا لإبراهيم ونسله. ثم أضاف الرب: “وأقيم عهدي بيني وبينك، وبين نسلك من بعدك في أجيالهم، عهدًا أبديًا، لأكون إلهًا لك ولنسلك من بعدك. وأعطي لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك، كل أرض كنعان ملكًا أبديًا، وأكون إلههم.”

ثم توقف الرب للحظة، وكأنه يريد أن يترك كلماته تتردد في قلب إبراهيم. ثم قال: “وأما أنت فتحفظ عهدي، أنت ونسلك من بعدك في أجيالهم. وهذا هو عهدي الذي تحفظونه بيني وبينكم، وبين نسلك من بعدك: يختن منكم كل ذكر. فتختنون في لحم غرلتكم، فيكون علامة عهد بيني وبينكم.”

كان إبراهيم يستمع بكل جوارحه، وكأن كل كلمة تنقش في قلبه. ثم أكمل الرب: “ابن ثمانية أيام يختن منكم كل ذكر في أجيالكم: وليد البيت، والمبتاع بفضة من كل ابن غريب، ليس من نسلك. يختن ختانًا وليد بيتك، والمبتاع بفضتك، فيكون عهدي في لحمكم عهدًا أبديًا. وأما الذكر الأغلف الذي لا يختن في لحم غرلته، فتقطع تلك النفس من شعبها. إنه قد نكث عهدي.”

ثم التفت الرب إلى سارة، زوجة إبراهيم، وقال: “سارة امرأتك لا تدعو اسمها سارة، بل اسمها سارة. وأباركها، وأعطيك أيضًا منها ابنًا. أباركها، فتكون أممًا، وملوك شعوب منها يكونون.”

سقط إبراهيم على وجهه مرة أخرى، وهذه المرة كان يضحك في قلبه، متعجبًا من هذا الوعد العجيب. فقد كان هو وسارة قد تقدم بهما العمر، وكان جسدهما قد شاخ، وكأنهما صارا رمزًا للعقم. لكنه قال في قلبه: “أيولد لابن مئة عام؟ وهل تلد سارة وهي بنت تسعين عامًا؟”

لكن الرب، الذي يعرف أفكار القلوب، قال لإبراهيم: “بل سارة امرأتك تلد لك ابنًا، وتدعو اسمه إسحاق. وأقيم عهدي معه عهدًا أبديًا، ولنسله من بعده.”

ثم ختم الرب حديثه بقوله: “وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه. ها أنا أباركه، وأثمره، وأكثره كثيرًا جدًا. اثني عشر رئيسًا يلد، وأجعله أمة كبيرة. ولكن عهدي أقيمه مع إسحاق، الذي تلده لك سارة في هذا الوقت في السنة الآتية.”

وبعد أن انتهى الرب من كلامه، صعد عنه. فأخذ إبراهيم ابنه إسماعيل، وجميع وليد بيته، وجميع المبتاعين بفضته، كل ذكر من أهل بيته، وختنهم في ذلك اليوم نفسه، كما كلمه الله. وكان إبراهيم ابن تسع وتسعين سنة حين ختن في لحم غرلته. وإسماعيل ابنه كان ابن ثلاث عشرة سنة حين ختن في لحم غرلته. وفي ذلك اليوم نفسه ختن إبراهيم وكل رجال بيته، وليد البيت والمبتاع بالفضة من كل ابن غريب.

وهكذا، أصبح الختان علامة العهد الأبدي بين الله وإبراهيم ونسله. وكانت هذه العلامة تذكيرًا دائمًا بوعود الله العظيمة، وبأن الله هو الإله الأمين الذي يحفظ عهده إلى الأبد.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *