في الأيام القديمة، كان هناك رجلٌ بارٌ يُدعى أيوب. كان أيوب رجلاً كاملاً ومستقيماً، يتقي الله ويحيد عن الشر. وقد باركه الله بغنى عظيم وبركة وفيرة، فكان له سبعة بنين وثلاث بنات، وقطعان كثيرة من الغنم والإبل والبقر، وخدم كثيرون. وكان أيوب محترماً جداً بين الناس، فقد كان يعيش حياة البر والعدل، ويُظهر رحمةً عظيمةً للفقراء والمحتاجين.
وفي أحد الأيام، تذكر أيوب الأيام الماضية، أيام بركته وفرحه، فبدأ يتحدث عن تلك الأيام بقلبٍ ممتلئٍ بالشوق والحنين. قال أيوب: “ليتني أعود إلى تلك الأيام، عندما كان الله يحرسني، وعندما كانت مصابيحه تُضيء فوق رأسي، وكنت أسير في الظلمة بنورها. أيام كنت في ريعان شبابي، عندما كانت صداقتي مع الله على خيمتي، وعندما كان العليّ معي، وأولادي حولي.”
وتذكر أيوب كيف كان يُغسل قدميه باللبن، والصخور تُفيض له أنهاراً من الزيت. قال: “كنت أخرج إلى الباب إلى المدينة، وأُعد كرسيَّ في الساحة. فكان الشبان يرونني ويختفون، والشيوخ يقومون ويقفون. الرؤساء يكفون عن الكلام، ويضعون أيديهم على أفواههم. صوتي يخفيها الشرفاء، ولسانهم يلصق بحنكهم.”
ووصف أيوب كيف كان يُسمع للفقير صوتُه، ولليتيم الذي لا معين له. قال: “كان البركة تأتي على من يسمع لي، وكنت أُفرح قلب الأرملة. ألبس العدل فكان لي لباساً، وكان حقي كرداءٍ وعمامة. كنت عيوناً للعمي، وأرجلاً للعرج. كنت أباً للمساكين، وأبحث في دعوى الغريب. وأكسر أنياب الظالم، وأنتزع الفريسة من بين أسنانه.”
وتحدث أيوب عن احترام الناس له، فقال: “كنت أقول: أموت في عشّي، وأُكثّر أيامي كالرمل. أصولي ممتد إلى المياه، ويبيت الندى على غصني. مجدي جديد معي، وقوسي تتجدد في يدي.”
وكان أيوب يتذكر كيف كان الناس يستمعون إليه باهتمامٍ شديدٍ، وينتظرون نصيحته كالمطر. قال: “كانوا ينتظرونني كالغيث، ويُبقون أفواههم مفتوحة للندى. كنت أبتسم لهم وهم لا يصدقون، ونور وجهي لم يُظلم. كنت أجلس رئيساً بينهم، وأسكن كملك بين الجيوش، كمن يعزي النائحين.”
لكن أيوب، في خضم تذكره لتلك الأيام الجميلة، كان يشعر بألمٍ عميقٍ بسبب ما حلَّ به من تجاربٍ قاسيةٍ. فقد فقد كل شيءٍ: أولاده، وثروته، وصحته. ومع ذلك، ظل أيوب متمسكاً بإيمانه بالله، رغم كل ما عاناه. وكان يتساءل في قلبه: “لماذا حدث لي كل هذا؟” لكنه لم يفقد رجاءه في الله، بل ظل يؤمن بأن الله عادلٌ وحكيمٌ، وأنه سيفهمه في النهاية.
وهكذا، كان أيوب يتأمل في أيام بركته السابقة، ويتذكر كيف كان الله معه في كل خطوةٍ. وكان يعلم أن الله، رغم كل ما حدث، لا يزال يحبه ويهتم به. ففي النهاية، أيوب لم يفقد إيمانه، بل ظل ثابتاً في إيمانه بالله، الذي يعلم كل شيءٍ ويدبر كل شيءٍ بحكمةٍ لا تُدرك.