الكتاب المقدس

داود وبثشبع: درس في التوبة ورحمة الله

في قديم الزمان، في مدينة داود، كان هناك ملك عظيم اسمه داود. كان داود رجلاً بعد قلب الله، محبوبًا من شعبه ومباركًا من الرب. لكن حتى أعظم الرجال يمكن أن يقعوا في الخطيئة إذا ابتعدوا عن نور الله. وهكذا حدث مع داود.

في أحد الأيام، بينما كان الجيش الإسرائيلي يحارب الأعداء، بقي داود في قصره في أورشليم. وفي وقت الراحة، قام داود يتجول على سطح القصر، فرأى من هناك امرأة جميلة تستحم. كانت هذه المرأة تُدعى بثشبع، زوجة أوريا الحثي، أحد جنود داود الأوفياء. انجذب داود إلى جمالها، فأرسل وأحضرها إلى القصر، ووقع في الخطيئة معها.

بعد فترة، أرسلت بثشبع إلى داود تخبره أنها حامل. بدلًا من أن يعترف بخطيئته، حاول داود أن يغطي الأمر. فأرسل إلى أوريا، زوج بثشبع، الذي كان في ساحة المعركة، وأمره أن يعود إلى بيته ليقضي وقتًا مع زوجته، ظنًا منه أن هذا سيخفي الأمر. لكن أوريا، الذي كان مخلصًا لجنوده ولم يكن يريد أن يستريح بينما هم في الحرب، رفض أن يذهب إلى بيته. فقرر داود أن يتخلص من أوريا، فأرسله إلى مقدمة المعركة حيث كان القتال أشد، وأمر قائده أن يتركه وحده في وجه الأعداء. وهكذا قُتل أوريا في المعركة.

بعد موت أوريا، تزوج داود بثشبع، وولدت له ابنًا. لكن الرب، الذي يرى كل شيء، لم يرضَ عن فعل داود. فأرسل النبي ناثان إلى داود ليوبخه على خطيئته. دخل ناثان إلى القصر وحكى لداود قصة عن رجل غني كان لديه الكثير من الخراف، لكنه أخذ الخروف الوحيد الذي كان لرجل فقير ليقدمه لضيفه. غضب داود من القصة وقال: “الرجل الذي فعل هذا مستحق للموت!” فأجابه ناثان: “أنت هو الرجل!”

عندها أدرك داود خطيئته العظيمة، فانكسر قلبه وندم ندمًا شديدًا. ترك داود عرشه وذهب إلى غرفته، وسجد على الأرض باكيًا، وصرخ إلى الرب طالبًا الرحمة. قال داود في صلاته: “ارحمني يا الله حسب رحمتك. حسب كثرة رأفتك امحُ معاصيَّ. اغسلني كثيرًا من إثمي، ومن خطيتي طهرني. لأني عارف بمعاصيَّ، وخطيتي أمامي دائمًا. إليك وحدك أخطأت، والشر قدام عينيك صنعت.”

كان داود يعلم أن خطيئته كانت كبيرة، وأنه أخطأ ليس فقط ضد بثشبع وأوريا، بل ضد الله نفسه. فطلب من الرب أن يخلق فيه قلبًا نقيًّا، ويجدد روحًا مستقيمة في داخله. قال: “قلبًا نقيًّا اخلق فيَّ يا الله، وروحًا مستقيمة جدِّد في داخلي. لا تطرحني من قدام وجهك، وروحك القدوس لا تنزعه مني.”

داود كان يعلم أن التوبة الحقيقية لا تعني فقط الاعتراف بالخطيئة، بل أيضًا تغيير القلب والعقل. فطلب من الرب أن يعيد إليه فرح خلاصه، ويرسخ فيه روحًا مستعدة لطاعة كلمته. قال: “رد لي بهجة خلاصك، وبروح منتدبة أَعْنِني. فعندئذ أعلِّم العصاة طرُقك، فيرجع إليك الخطاة.”

وبينما كان داود يصلي، شعر بثقل الخطيئة يرفع عن كتفيه، وعرف أن الله قد سمع صلاته. فكتب داود مزمورًا يعبر فيه عن توبته ورجائه في رحمة الله، وهو المزمور 51 الذي نعرفه اليوم. في هذا المزمور، نرى قلبًا منكسرًا يتوب إلى الله، ويثق في غفرانه ورحمته.

وفي النهاية، علم داود أن الذبائح والقرابين ليست هي ما يرضي الله، بل القلب التائب والروح المنكسرة. فقال: “لأنك لا تُسرّ بالذبيحة وإلا كنت أُقدِّمها. بالمحرقة لا ترضى. ذبائح الله هي روح منكسرة. القلب المنكسر والمنسحق يا الله لا تحتقره.”

وهكذا، تعلم داود درسًا عظيمًا عن رحمة الله وغفرانه. ورغم أن خطيئته كانت كبيرة، إلا أن توبته كانت صادقة، فغفر الله له. لكن داود عانى من عواقب خطيئته، حيث مات الابن الذي ولدته بثشبع. ومع ذلك، ظل داود ملكًا لإسرائيل، وتعلم أن يسير في طرق الرب بقلب نقي وروح مستقيمة.

وهكذا، نرى في قصة داود وبثشبع درسًا عن قوة التوبة، ورحمة الله التي تتجاوز كل خطيئة إذا ما أتينا إليه بقلوب منكسرة ونادمة.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *