في الأيام التي تلت العودة من السبي البابلي، كان النبي زكريا مكلفًا برسالة من الرب لشعبه. وفي إحدى الليالي، بينما كان زكريا يصلي ويتأمل في مصير أورشليم، رأى رؤيا عجيبة. ففي وسط الظلام، ظهر له ملاك الرب، وكان نوره يضيء المكان كله. قال الملاك لزكريا: “انظر يا زكريا، سأريك ما أعده الرب لأورشليم.”
ورفع زكريا عينيه فرأى رجلاً يقف أمامه وبيده حبل قياس. فسأل زكريا الملاك: “ماذا يفعل هذا الرجل؟” فأجاب الملاك: “إنه ذاهب ليقيس أورشليم، ليعرف عرضها وطولها.” ولكن قبل أن يبدأ الرجل بقياس المدينة، ظهر ملاك آخر واقترب من زكريا وقال له: “أوقف الرجل، فلا حاجة لقياس أورشليم الآن، لأن الرب سيجعلها مدينة بلا أسوار، وسيكون عدد سكانها أكثر من أن يُحصى.”
فتعجب زكريا وسأل: “كيف تكون مدينة بلا أسوار؟ أليست الأسوار ضرورية لحمايتها من الأعداء؟” فأجاب الملاك: “الرب نفسه سيكون نارًا حولها، وسيكون مجدها في وسطها. لن تحتاج أورشليم إلى أسوار لأن الرب سيكون حاميها وحارسها.”
ثم تابع الملاك كلامه: “اسمع يا زكريا، سيهرب الكثيرون من الأمم المحيطة ويلتحقون بالرب في أورشليم. سيكونون شعبه، وسيسكن في وسطهم. ستعلم كل الأمم أن الرب القدير أرسلني إليك. وسيرث الرب يهوذا نصيبه في الأرض المقدسة، وسيختار أورشليم مرة أخرى.”
ورأى زكريا في الرؤيا أن الرب سيأتي ويقيم مسكنه بين شعبه. وسيملأ المجد المدينة، وستصبح أورشليم مركزًا للعبادة والحكمة. وقال الملاك: “اصمت يا كل جسد أمام الرب، لأنه قد نهض من مسكن قدسه.”
وفي تلك اللحظة، شعر زكريا برهبة عظيمة، لأنه أدرك أن الرب كان يعد شيئًا عظيمًا لشعبه. لم تكن أورشليم مجرد مدينة من الحجارة، بل كانت رمزًا لعهد الله مع شعبه. وكان الرب يعد لشعبه مستقبلاً مليئًا بالبركة والحماية.
وعندما استيقظ زكريا من الرؤيا، كتب كل ما رآه وسمعه، ونقل الرسالة إلى الشعب. قال لهم: “لا تخافوا، لأن الرب معنا. سيكون حاميًا لنا، وسيسكن في وسطنا. أورشليم ستكون آمنة، لأن الرب نفسه سيكون سورها الناري.”
ففرح الشعب بهذه الكلمات، وبدأوا يبنون بيوتهم ويصلحون أسوار المدينة، وهم واثقون أن الرب سيكون معهم في كل خطوة. وهكذا، كانت رسالة زكريا تذكيرًا بقوة الله ووعوده الأبدية لشعبه.