الكتاب المقدس

رؤية حزقيال: تحذير من دمار أورشليم ودعوة للتوبة

في الأيام التي كانت فيها أورشليم على وشك أن تُحاط بالدمار والخراب، أوحى الرب إلى النبي حزقيال برؤية عظيمة ترمز إلى مصير المدينة المقدسة. وكانت هذه الرؤية مليئة بالرموز والتفاصيل التي تحمل في طياتها تحذيرًا شديدًا ودعوة للتوبة.

بدأت الرؤية بأن أمر الرب حزقيال أن يأخذ سيفًا حادًا ويستخدمه كأداة للحلاقة. فقال له الرب: “يا ابن آدم، خذ لنفسك سيفًا حادًا، خذه كأداة حلاقة للحلاق، وامرره على رأسك ولحيتك.” ففعل حزقيال كما أمره الرب، وأخذ السيف وحلق شعر رأسه ولحيته. ثم أمره الرب أن يأخذ الميزان ويقسم الشعر إلى ثلاثة أقسام متساوية.

قال الرب: “ثالث الشعر تحرقه بالنار في وسط المدينة، عندما تكمل أيام الحصار. وثالثًا تأخذه وتضربه بالسيف حولها. وثالثًا تذروه للريح، وأنا أجرد سيفًا وراءهم.”

ففعل حزقيال كما أمره الرب. أخذ ثلث الشعر وأحرقه في وسط المدينة، رمزًا للدمار الذي سيحل بأورشليم من الجوع والوبأ. ثم أخذ الثلث الثاني وضربه بالسيف حول المدينة، إشارة إلى الذين سيهلكون بحد السيف من الأعداء الذين سيحاصرونها. وأخيرًا، ذرى الثلث الثالث في الريح، رمزًا للشتات والسبي الذي سيصيب شعب يهوذا.

ثم قال الرب لحزقيال: “خذ قليلًا من هذا الشعر واصرّه في أطراف ثوبك. ثم خذ منه أيضًا وألقِه في وسط النار وأحرقه فيها. منها يخرج نار إلى كل بيت إسرائيل.”

هذه الرؤية كانت تحذيرًا شديدًا من الرب لشعبه. فقد أخطأوا خطايا عظيمة، وعبدوا الأصنام، ودنسوا الهيكل المقدس، وتجاهلوا وصايا الرب. لذلك، كان العقاب قاسيًا وحتميًا. قال الرب: “هكذا قال السيد الرب: هذه أورشليم. قد جعلتها في وسط الأمم، والأراضي حولها. ولكنها تمردت على أحكامي أكثر من الأمم، وعلى فرائضي أكثر من الأراضي التي حولها، لأنهم رفضوا أحكامي ولم يسلكوا في فرائضي.”

وأضاف الرب: “لذلك هكذا قال السيد الرب: لأنكم أكثر فسادًا من الأمم الذين حولكم، ولم تسلكوا في فرائضي، ولم تعملوا بأحكامي، بل عملتم بأحكام الأمم الذين حولكم، لذلك هكذا قال السيد الرب: ها أنا عليك أنا أيضًا، وأجري في وسطك أحكامًا أمام عيون الأمم. وأفعل بك ما لم أفعله قط، وما لا أفعله مثله بعد، بسبب كل رجاساتك.”

ثم وصف الرب العقاب بالتفصيل: “فالآباء يأكلون الأبناء في وسطك، والأبناء يأكلون آباءهم. وأجري فيك أحكامًا، وأذري كل بقيتك إلى كل ريح. لذلك، حيّ أنا، يقول السيد الرب، إنك لأنك نجست مقدسي بكل أصنامك ورجاساتك، فإني أيضًا أهوين، ولا تشفق عيني، ولا أعفو. ثلثك يموت بالوبأ، ويهلكون في وسطك بالجوع. وثلثك يسقط بالسيف حولك. وثلثك أذريه إلى كل ريح، وأجرد سيفًا وراءهم.”

كانت هذه الكلمات قاسية، لكنها كانت ضرورية لأن شعب يهوذا قد وصل إلى مرحلة من الفساد والتمرد جعلت العقاب حتميًا. ومع ذلك، كان هناك أمل في النهاية. فقد قال الرب: “ولكني أبقى قليلًا منهم من السيف والجوع والوبأ، لكي يخبروا بكل رجاساتهم بين الأمم الذين يأتون، فيعلموا أني أنا الرب.”

وهكذا، كانت رؤية حزقيال تذكيرًا قويًا بأن الرب قدوس ولا يتسامح مع الخطية. لكنها أيضًا كانت تذكيرًا بأن رحمته موجودة لمن يلتفتون إليه ويتوبون. فبالرغم من شدة العقاب، كان هناك دائمًا بقية تبقى لتحمل رسالة الرب إلى الأمم.

وفي النهاية، وقف حزقيال وهو يرى كل هذه الرؤية، مدركًا ثقل الرسالة التي عليه أن يوصلها إلى شعبه. كان عليه أن ينذرهم بالدمار القادم، لكنه كان عليه أيضًا أن يذكرهم بأن الرب هو الإله القدير الذي يملك القدرة على العقاب والرحمة. وكانت هذه الرسالة صرخة أخيرة للتوبة قبل أن يحل الغضب.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *