الكتاب المقدس

رؤيا وادي العظام الجافة: إحياء الأمة الميتة

في الأيام التي كان فيها النبي حزقيال مسبياً في أرض بابل، أظهر الرب له رؤيا عظيمة مليئة بالرمزية والعمق الروحي. وكانت يد الرب على حزقيال، فأخرجه بروحه وأوقفه في وسط وادٍ، وكان هذا الوادي مليئاً بعظام بشرية جافة جداً. كانت العظام منتشرة في كل مكان، وقد غطت وجه الوادي تماماً. وكانت هذه العظام جافة إلى درجة أنها بدت وكأنها قد بقيت هناك لسنوات طويلة، دون أي أمل في الحياة.

فسأل الرب حزقيال: “يا ابن آدم، هل تحيا هذه العظام؟” فأجاب حزقيال بحكمة وإيمان: “يا سيد الرب، أنت وحدك تعلم.” فقال الرب له: “تنبأ على هذه العظام، وقل لها: أيها العظام اليابسة، اسمعي كلمة الرب. هكذا قال السيد الرب لهذه العظام: هأنا ذا أدخل فيكم روحاً فتحيون. وأجعل عليكم عصياً وأصعد عليكم لحماً وأبسط عليكم جلداً وأجعل فيكم روحاً فتحيون، وتعلمون أني أنا الرب.”

فنفذ حزقيال أمر الرب وتنبأ كما أُمر. وفيما هو يتنبأ، سمع صوتاً عظيماً، وإذا بالعظام تتحرك وتتقارب بعضها إلى بعض. ورأى حزقيال كيف أن العظام بدأت تتصلب، وتظهر عليها الأوتار والعضلات، ثم يعلوها الجلد. ولكن لم يكن بعد فيها روح. فقال الرب لحزقيال: “تنبأ للروح، تنبأ يا ابن آدم وقل للروح: هكذا قال السيد الرب: هلمّي أيها الروح من الرياح الأربع، وهُبّي على هؤلاء القتلى ليعيشوا.”

فنفذ حزقيال أمر الرب مرة أخرى، وتنبأ للروح. وإذا بالروح تدخل في الأجساد، فقاموا على أقدامهم، جيش عظيم جداً. كانت تلك العظام التي كانت جافة وميتة قد تحولت إلى جيش حي، ممتلئ بالحياة والقوة. فقال الرب لحزقيال: “يا ابن آدم، هذه العظام هي كل بيت إسرائيل. ها هم يقولون: قد يبست عظامنا، وهلك رجاؤنا، قد انقطعنا. لذلك تنبأ وقل لهم: هكذا قال السيد الرب: هأنا ذا أفتح قبوركم وأصعدكم من قبوركم يا شعبي، وآتي بكم إلى أرض إسرائيل. فتعلمون أني أنا الرب، حين أفتح قبوركم وأصعدكم من قبوركم يا شعبي. وأجعل روحي فيكم فتحيون، وأجعلكم في أرضكم، فتعلمون أني أنا الرب تكلمت وأفعل، يقول الرب.”

كانت هذه الرؤيا رسالة قوية من الرب لشعب إسرائيل، الذين كانوا يشعرون باليأس والهزيمة في السبي. فقد أراد الرب أن يوضح لهم أنه قادر على إحياء الموتى، وأنه قادر على إعادة الحياة إلى أمة كانت تبدو وكأنها قد ماتت. فكما أن العظام الجافة عادت إلى الحياة بقوة كلمة الرب، هكذا سيُعيد الرب شعبه إلى أرضهم، وسيعيد لهم الحياة الروحية والمادية.

وتأكد حزقيال من أن هذه الرؤيا ليست مجرد حدث خارق للطبيعة، بل هي وعد إلهي بمستقبل مشرق لشعب إسرائيل. فالله، الذي خلق الإنسان من التراب ونفخ فيه نسمة الحياة، قادر أيضاً أن يعيد الحياة إلى أمة ميتة، وأن يعيدها إلى أرضها لتحيا من جديد تحت حمايته وبركته.

وهكذا، كانت رؤيا وادي العظام الجافة تذكيراً قوياً بقدرة الله المطلقة، وبوعوده الأكيدة التي لا تتغير. فالله، الذي يحيي الموتى، هو نفسه الذي سيُعيد شعبه إلى الحياة، ويجعلهم يشهدون لمجده وقوته في كل الأرض.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *