في أيام السبي البابلي، عندما أُخذ شعب إسرائيل من أرضهم المقدسة إلى بابل، كانوا يعيشون في حالة من الحزن العميق والشوق إلى صهيون، المدينة المقدسة. كانوا يجلسون على ضفاف أنهار بابل، يبكون ويتذكرون أورشليم، المدينة التي فقدوها. كانت قلوبهم مثقلة بالحزن، وأرواحهم ممزقة بين الذكريات الجميلة لوطنهم والواقع المرير الذي يعيشونه في الأسر.
في أحد الأيام، اجتمع مجموعة من المسبيين على ضفة نهر الفرات. كان الجو هادئًا، والسماء تميل إلى اللون البرتقالي مع غروب الشمس. كان النهر يتدفق بهدوء، وكأنه يعكس حالة الهدوء الخارجي الذي يخفي وراءه عاصفة من المشاعر الداخلية. جلس الرجال والنساء والأطفال، كل منهم يحمل في قلبه جرحًا لا يندمل. كانوا يتذكرون الهيكل المقدس، وترانيم العبادة، وأصوات الكهنة وهم يقدمون الذبائح للرب.
في وسط هذا الجمع، وقف أحد اللاويين، حاملًا قيثارته. كانت عيناه تفيضان بالدموع، ويداه ترتجفان وهو يمسك بالآلة الموسيقية. نظر إلى السماء وصاح بصوت مكسور: “كيف نغني ترنيمة الرب في أرض غريبة؟ كيف نرفع أصواتنا بالفرح ونحن بعيدون عن بيت الرب؟”
سمع البابليون الذين كانوا يمرون بالقرب منهم هذه الكلمات، فاقتربوا منهم وسخروا منهم قائلين: “غنوا لنا من ترانيم صهيون! غنوا لنا من أغانيكم المقدسة!” كانت كلماتهم كالسيف الذي يقطع القلب، فكيف يمكنهم أن يغنوا ترانيم الفرح وهم في أرض الأسر؟ كيف يمكنهم أن يرفعوا أصواتهم بالعبادة وهم بعيدون عن الهيكل؟
رفع اللاوي عينيه إلى السماء مرة أخرى، وبدأ يترنم بمزمور الحزن والشوق: “على أنهار بابل هناك جلسنا وبكينا أيضًا عندما تذكرنا صهيون. على الصفصاف في وسطها علقنا أعوادنا. لأنه هناك طلب منا الذين سبونا كلمات ترنيمة، ومبتهجونا قالوا: ‘رنموا لنا من ترانيم صهيون.'”
ثم توقف للحظة، وكأنه يستجمع قواه، ثم استمر في الترتيل بصوت حزين: “كيف نغني ترنيمة الرب في أرض غريبة؟ إن نسيتك يا أورشليم، تنسى يميني. ليلتصق لساني بحنكي إن لم أذكرك، إن لم أفضل أورشليم على أعظم فرحي.”
كانت كلماته تخرج من أعماق قلبه، وكأنها صرخة تصل إلى عرش الله. كان الجميع يسمعون، والدموع تنساب على وجوههم. حتى البابليون الذين كانوا يسخرون منهم توقفوا عن سخريتهم، وكأنهم شعروا بثقل الحزن الذي يحمله هؤلاء المسبيون.
ثم التفت اللاوي إلى رفاقه وقال: “يا إخوتي، لن ننسى أبدًا أورشليم. لن ننسى بيت الرب. حتى لو كنا هنا في أرض الأسر، فإن قلوبنا تبقى هناك، في المدينة المقدسة. لن نغني ترنيمة الفرح هنا، لأن فرحنا الحقيقي هو في الرب وفي عبادته في هيكله.”
ثم أضاف بصوت مليء بالعزم: “اذكروا يا بني صهيون يوم أورشليم، الذين قالوا: ‘اخربوا اخربوا حتى أساسها.’ يا بنت بابل المخربة، طوبى لمن يجازيك جزاءك الذي جازيتنا. طوبى لمن يمسك أطفالك ويضرب بهم الصخرة.”
كانت كلماته الأخيرة تخرج من قلوبهم جميعًا، كصلاة للعدل الإلهي. كانوا يؤمنون أن الرب سينتقم لهم من أعدائهم، وسيعيدهم إلى أرضهم المقدسة. كانوا يؤمنون بأن الله لن يتركهم إلى الأبد في الأسر، بل سيأتي اليوم الذي يعودون فيه إلى صهيون، ويبنون الهيكل مرة أخرى، ويرفعون أصواتهم بالترانيم للرب.
وهكذا، جلسوا على ضفاف أنهار بابل، يبكون ويتذكرون، ويترنمون بمزامير الحزن والشوق. لكن في قلوبهم كان هناك أمل، أمل في خلاص الرب، وأمل في العودة إلى أرض الميعاد. كانوا يعلمون أن الله معهم حتى في أرض الأسر، وأنه سيسمع صراخهم ويخلصهم في الوقت المناسب.
وفي تلك اللحظات، بين الدموع والترانيم، كانوا يعيشون إيمانًا عميقًا بأن الرب هو إله العدل والرحمة، وأنه لن يتخلى عن شعبه إلى الأبد.