الكتاب المقدس

رسالة هوشع: تحذير ودعوة للتوبة

في الأيام التي كان فيها الرب يتحدث إلى شعبه عبر الأنبياء، أرسل كلمته إلى هوشع النبي ليوصل رسالة قوية ومؤثرة إلى بني إسرائيل. كانت الأوقات عصيبة، والشعب قد ابتعد عن طرق الرب، متبعًا شهوات قلوبهم وعابدين آلهة أخرى. فجاءت كلمة الرب إلى هوشع في الأصحاح التاسع، تحمل تحذيرًا صارمًا وعواقب وخيمة لعدم إخلاصهم.

بدأ هوشع يتحدث بصوت حزين لكنه حازم، قائلًا: “لا تفرح يا إسرائيل ولا تبتهج كالشعوب الأخرى، لأنك قد زنيت عن إلهك. أحببت الأجرة على كل بيدر للحنطة.” كانت كلماته تملأ الجو بثقل الروح، وكأن السماء نفسها تنحني تحت وطأة الخطية. كان الشعب يعيش في فرح زائف، غير مدرك أنهم قد تركوا الرب، مصدر فرحهم الحقيقي.

ثم واصل هوشع كلامه، محذرًا إياهم: “البيدر والمعصرة لا تطعمهم، والخمر الجديدة تخذلهم.” كانت هذه الكلمات ترمز إلى أن بركات الأرض التي كانوا يعتمدون عليها ستُسلب منهم. فبدلًا من أن يجنوا محاصيل وفيرة، سيجدون أن الحقول قد أصبحت قاحلة، والمعاصر خالية من الخمر. كان الرب يريد أن يوضح لهم أن كل ما كانوا يعتمدون عليه خارج إرادته سوف يفشل.

ثم أضاف هوشع: “لا يقيمون في أرض الرب، بل يرجع إفرايم إلى مصر، وفي أشور يأكلون طعامًا نجسًا.” كانت هذه نبوءة قاسية، حيث سيُجبر الشعب على العودة إلى العبودية، ليس في مصر الجسدية، بل في أماكن تشبه العبودية الروحية. أشور، التي كانت رمزًا للقوة الوثنية، ستكون مكانًا يأكلون فيه طعامًا غير مقدس، بعيدًا عن بركات الرب.

وتابع النبي كلامه بلهجة مليئة بالحزن: “لا يسكبون خمرًا للرب، ولا ترضيه ذبائحهم. كخبز النوح يكون لهم. كل من يأكله يتنجس، لأن خبزهم لأنفسهم. لا يدخل إلى بيت الرب.” كانت الذبائح التي يقدمونها بلا إخلاص مرفوضة من الرب. فبدلًا من أن تكون تقدمة مقدسة، أصبحت كخبز النوح، الذي لا يُؤكل إلا في أوقات الحزن والحداد. كان الرب يريد أن يظهر لهم أن خطيتهم جعلت كل ما يقدمونه بلا قيمة.

ثم أعلن هوشع عن دينونة الرب: “ماذا تعملون في يوم الموعد، وفي يوم عيد الرب؟ لأنه ها هم قد ذهبوا من قبل الخراب. مصر تجمعهم، ومفيس تدفنهم. الفضّة المحبوبة تصير عليهم شوكًا، وتنبت في خيامهم قُرّيصات.” كانت هذه الكلمات تتنبأ بخراب قادم، حيث سيُجبر الشعب على الهروب من أرضهم، ولن يكون هناك عيد أو فرح. حتى الأشياء الثمينة التي كانوا يفتخرون بها ستتحول إلى مصدر ألم وعذاب.

وفي ختام رسالته، قال هوشع: “قد أتى أيام العقاب، قد أتى أيام المجازاة. يعرف إسرائيل. النبي أحمق، رجل الروح مجنون، من كثرة إثمك وكثرة العداوة.” كان الرب يوضح أن الوقت قد حان لمواجهة عواقب أفعالهم. حتى الأنبياء الكذبة الذين كانوا يخدعون الشعب سيُكشفون، لأنهم كانوا جزءًا من المشكلة، يقدمون رسائل كاذبة بدلًا من كلمة الرب الحقيقية.

كانت رسالة هوشع قاسية لكنها ضرورية. أراد الرب أن يوقظ شعبه من غفلتهم، ليعودوا إليه بقلوب تائبة. لكن للأسف، كان الكثيرون قد أصموا آذانهم عن سماع الحق، واختاروا طريق الهلاك بدلًا من التوبة. وهكذا، كانت كلمات هوشع تتردد في أرجاء الأرض، كصوت ينذر بالدينونة، لكنه أيضًا يحمل في طياته رجاءً لمن يريد أن يرجع إلى الرب بقلب مكسور.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *