الكتاب المقدس

يعقوب ويوسف: وصية ووفاء في أرض مصر

في الأيام الأخيرة من حياة يعقوب، اجتمع أبناءه الاثنا عشر حوله في أرض مصر. كان يعقوب شيخًا طاعنًا في السن، وقد شعر بدنو أجله. فدعا يوسف، ابنه الحبيب، وقال له: “إن مت، فلا تدفنني في مصر، بل احمل عظامي من هنا وادفني في قبر آبائي في أرض كنعان، في المغارة التي في حقل المكفيلة، التي اشتراها إبراهيم من عفرون الحثي.” فأجاب يوسف: “سأفعل كما طلبت.”

وبعد أن أسلم يعقوب روحه، حزن يوسف وأخوته حزنًا شديدًا. ثم قام يوسف بتكفين أبيه حسب العادة المصرية، وأمر الأطباء بأن يحنطوه. وبعد أربعين يومًا، انتهى التحنيط، وبكى المصريون على يعقوب سبعين يومًا.

ولما انقضت أيام البكاء، تحدث يوسف إلى فرعون قائلًا: “إن كنت قد وجدت نعمة في عينيك، فاسمح لي أن أذهب وأدفن أبي في أرض كنعان كما أقسم لي.” فأجاب فرعون: “اذهب وادفن أباك كما أقسمت له.”

فخرج يوسف ومعه جميع عبيد فرعون وشيوخ مصر، وجميع بيت يوسف وإخوته وبيت أبيه. ولم يتركوا في أرض جاسان إلا الأطفال والمواشي. وصعدوا معه مركبات وفرسانًا، فصار الجمع عظيمًا جدًا.

ولما وصلوا إلى بيدر الأتان، الذي في عبر الأردن، ناحوا هناك نوحًا عظيمًا جدًا ومرًا. وأقام يوسف مناحة لأبيه سبعة أيام. ولما رأى الكنعانيون المناحة في بيدر الأتان، قالوا: “هذه مناحة عظيمة للمصريين.” لذلك دُعي ذلك المكان “أبل المصريين” حتى اليوم.

وبعد أن أكملوا المناحة، حملوا جثمان يعقوب إلى أرض كنعان ودفنوه في مغارة حقل المكفيلة، التي اشتراها إبراهيم من عفرون الحثي ملكًا لقبر، مع سارة زوجته. وهناك دفنوا يعقوب كما أوصى، ثم رجع يوسف وإخوته وجميع الذين صعدوا معه لدفنه إلى مصر.

وبعد أن دفنوا أباهم، خاف إخوة يوسف وقالوا: “لعل يوسف يبغضنا ويجازينا عن كل الشر الذي صنعناه به.” فأرسلوا إليه قائلين: “أبوك أوصى قبل موته قائلًا: هكذا تقولون ليوسف: اغفر الآن ذنب إخوتك وخطيتهم، فإنهم قد أساؤوا إليك. والآن اغفر ذنب عبيد إله أبيك.” فلما سمع يوسف كلامهم، بكى.

ثم جاء إخوته أنفسهم وسقطوا أمامه وقالوا: “ها نحن عبيدك.” فقال لهم يوسف: “لا تخافوا. ألعلي أنا مكان الله؟ أنتم قصدتم لي شرًا، أما الله فقصد به خيرًا، لكي يفعل كما اليوم، ليحيي شعبًا كثيرًا. فالآن لا تخافوا. أنا أعولكم وأولادكم.” فطمأنهم وكلمهم بلطف.

وعاش يوسف وأخوته في مصر، ورأى يوسف أبناء أفرايم حتى الجيل الثالث. وأبناء ماكير بن منسى ولدوا على ركبتي يوسف. ثم قال يوسف لإخوته: “أنا أموت، ولكن الله سيفتقدكم ويصعدكم من هذه الأرض إلى الأرض التي أقسم لإبراهيم وإسحاق ويعقوب.”

وأقسم يوسف لبني إسرائيل قائلًا: “الله سيفتقدكم، فتحملون عظامي من هنا.” ثم مات يوسف وهو ابن مئة وعشر سنين، فحنطوه ووضعوه في تابوت في مصر. وهكذا انتظر بنو إسرائيل اليوم الذي سيخرجون فيه من مصر، حاملين معهم عظام يوسف، تذكارًا للوعد الإلهي الذي سيتم في الأيام القادمة.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *