في ذلك الزمان، كان يسوع يجلس على جبلٍ عالٍ، محاطًا بتلاميذه وجموع كثيرة من الناس الذين جاءوا من كل مكان ليسمعوا تعاليمه. كانت الشمس تشرق بلون ذهبيّ، تلمع على وجوه الحاضرين الذين كانوا ينظرون إليه بتركيز شديد، وكأن كل كلمة تخرج من فمه هي خبزٌ يُشبع الجائع. بدأ يسوع يتحدث بصوته الهادئ والقويّ في آنٍ واحد، قائلًا:
“احترزوا من أن تصنعوا صدقتكم قدام الناس لكي ينظروكم. وإلا فليس لكم أجر عند أبيكم الذي في السماوات.”
كانت كلماته تنساب كالنهر الهادئ، لكنها تحمل في طياتها قوةً عظيمة. نظر إلى الحشد بعينين مليئتين بالحب والحكمة، ثم واصل قائلًا:
“فمتى صنعت صدقة، فلا تصوّت قدامك بالبوق، كما يفعل المراؤون في المجامع وفي الأزقة، لكي يمجدهم الناس. الحق أقول لكم: إنهم قد استوفوا أجرهم.”
كانت تعابير وجهه تظهر مدى جدّية كلامه. ثم أشار بيده إلى السماء، وكأنه يريد أن يلفت انتباههم إلى ما هو أعلى من الأمور الأرضية، وقال:
“وأما أنت، فمتى صنعت صدقة، فلا تعرّف شمالك ما تفعل يمينك. لكي تكون صدقتك في الخفاء. فأبوك الذي يرى في الخفاء هو يجازيك علانيةً.”
كان الجوّ مليئًا بالصمت، وكأن الطبيعة نفسها توقفت لتسمع كلامه. ثم انتقل يسوع إلى موضوع آخر، وهو الصلاة، فقال:
“ومتى صلّيتم، فلا تكونوا كالمرائين، فإنهم يحبون أن يصلّوا قائمين في المجامع وفي زوايا الشوارع، لكي يظهروا للناس. الحق أقول لكم: إنهم قد استوفوا أجرهم.”
ثم أشار إلى قلبه، وكأنه يريد أن يقول إن الصلاة الحقيقية تنبع من الداخل، وقال:
“وأما أنت، فمتى صلّيت، فادخل إلى مخدعك، وأغلق بابك، وصلّ إلى أبيك الذي في الخفاء. فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانيةً.”
كانت كلماته تلامس قلوب الحاضرين، وكأنها تذكّرهم بأن الله قريبٌ منهم، يعرف كل ما في قلوبهم. ثم علّمهم الصلاة الربانية، قائلًا:
“فصلّوا أنتم هكذا: أبانا الذي في السماوات، ليتقدّس اسمك. ليأتِ ملكوتك. لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض.”
كانت كل كلمة تخرج من فمه تحمل معنى عميقًا، وكأنها تفتح أبواب السماء أمامهم. ثم واصل قائلًا:
“خبزنا كفافنا أعطنا اليوم. واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا. ولا تدخلنا في تجربة، لكن نجّنا من الشرير.”
كانت صلاته تعليمًا لهم، وكأنه يريد أن يوضح لهم أن الصلاة ليست مجرد كلمات تُردّد، بل هي حديثٌ مع الآب السماويّ. ثم أضاف:
“لأنه إن غفرتم للناس زلاتهم، يغفر لكم أيضًا أبوكم السماويّ. وإن لم تغفروا للناس زلاتهم، لا يغفر لكم أبوكم أيضًا زلاتكم.”
كانت كلماته تذكّرهم بأن الغفران هو جزءٌ أساسيّ من علاقتهم مع الله ومع الآخرين. ثم انتقل إلى موضوع الصوم، فقال:
“ومتى صمتم، فلا تكونوا عابسين كالمرائين، فإنهم يغيّرون وجوههم لكي يظهروا للناس صائمين. الحق أقول لكم: إنهم قد استوفوا أجرهم.”
ثم أشار إلى وجهه المشرق، وكأنه يريد أن يقول إن الصوم الحقيقيّ هو لله وحده، وقال:
“وأما أنت، فمتى صمت، فادهن رأسك واغسل وجهك، لكي لا تظهر للناس صائمًا، بل لأبيك الذي في الخفاء. فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانيةً.”
كانت تعاليمه تلامس كل جانب من جوانب الحياة، وكأنه يريد أن يعلّمهم أن العبادة الحقيقية هي في القلب، وليس في المظاهر الخارجية. ثم انتقل إلى موضوع الثروة والقلق، فقال:
“لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض، حيث يفسد السوس والصدأ، وحيث ينقب السارقون ويسرقون.”
كانت كلماته تذكّرهم بأن الأمور الأرضية زائلة، ثم أشار إلى السماء، وقال:
“بل اكنزوا لكم كنوزًا في السماء، حيث لا يفسد سوس ولا صدأ، وحيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون. لأنه حيث يكون كنزك، هناك يكون قلبك أيضًا.”
كانت عيون الحاضرين تلمع بالإيمان، وكأنهم بدأوا يفهمون أن الحياة الحقيقية هي في العلاقة مع الله. ثم واصل يسوع قائلًا:
“سراج الجسد هو العين. فإذا كانت عينك بسيطة، فجسدك كلّه يكون نيرًا. وإن كانت عينك شريرة، فجسدك كلّه يكون مظلمًا. فإن كان النور الذي فيك ظلامًا، فالظلام كم يكون!”
كانت كلماته تذكّرهم بأهمية النقاوة الداخلية، وكيف أن القلب النقيّ ينعكس على الحياة كلها. ثم ختم تعاليمه بقوله:
“لا يقدر أحد أن يخدم سيدين. لأنه إما أن يبغض الواحد ويحب الآخر، أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر. لا تقدرون أن تخدموا الله والمال.”
كانت كلماته الأخيرة تتردد في أذان الحاضرين، وكأنها تعلن أن الاختيار بين الله والعالم هو اختيارٌ مصيريّ. ثم نظر يسوع إلى الحشد بعينين مليئتين بالحب، وقال:
“لهذا أقول لكم: لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون، ولا لأجسادكم بما تلبسون. أليست الحياة أفضل من الطعام، والجسد أفضل من اللباس؟”
كانت كلماته تبعث الطمأنينة في قلوبهم، ثم أشار إلى الطيور التي تحلّق في السماء، وقال:
“انظروا إلى طيور السماء: إنها لا تزرع ولا تحصد ولا تخزن في مخازن، وأبوكم السماويّ يقوتها. ألستم أنتم بالحري أفضل منها؟”
ثم نظر إلى الزنابق التي تنمو في الحقل، وقال:
“ولماذا تهتمون باللباس؟ تأملوا زنابق الحقل كيف تنمو. لا تتعب ولا تغزل. ولكن أقول لكم: إنه ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها.”
كانت كلماته تذكّرهم بأن الله يعتني بكل خليقته، ثم ختم قائلًا:
“فإن كان عشب الحقل الذي يوجد اليوم ويُطرح غدًا في التنور، يلبسه الله هكذا، أفليس بالحري جدًا يلبسكم أنتم، يا قليلي الإيمان؟ فلا تهتموا قائلين: ماذا نأكل؟ أو ماذا نشرب؟ أو ماذا نلبس؟ لأن هذه كلها تطلبها الأمم. فإن أباكم السماويّ يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه كلها. لكن اطلبوا أولًا ملكوت الله وبرّه، وهذه كلها تُزاد لكم.”
كانت كلماته الأخيرة تملأ القلوب بالسلام والثقة في عناية الله. ثم نظر إلى الحشد وقال:
“فلا تهتموا للغد، لأن الغد يهتمّ بنفسه. يكفي كل يوم شرّه.”
كانت الشمس قد بدأت تغرب، تاركةً خلفها سماءً ملوّنة بالأحمر والبرتقالي. كان الحشد ينصرفون وهم يتأملون في كلمات يسوع، وكأنها بذورٌ قد زُرعت في قلوبهم، ستثمر مع الوقت إيمانًا حقيقيًّا وثقةً في محبة الله وعنايته.