في مدينة أفسس، حيث كانت الكنيسة الناشئة تكافح لتثبيت أقدامها في أرض مليئة بالاضطهادات والتحديات، كان تيموثاوس الشاب يقف كقائد روحي يحمل على عاتقه مسؤولية كبيرة. كان تيموثاوس تلميذًا مخلصًا للرسول بولس، وقد تلقى تعليمًا دقيقًا في كلمة الله. لكن الأوقات كانت صعبة، والضغوط كانت تزداد يومًا بعد يوم. في خضم هذه الظروف، كتب بولس رسالة إلى تيموثاوس ليشجعه ويذكره بمبادئ الخدمة الأمينة.
بدأت الرسالة بكلمات حانية من بولس، الذي كان يعتبر تيموثاوس بمثابة ابنه الروحي: “يا ابني تيموثاوس، تقوَّ بالنعمة التي في المسيح يسوع.” كانت كلمات بولس مليئة بالحب والأبوة الروحية، وكأنه يريد أن يغرس في قلب تيموثاوس القوة التي تأتي من النعمة الإلهية. ثم تابع بولس قائلًا: “وما سمعته مني بشهود كثيرين، أودعه أناسًا أمناء، يكونون أكفاء أن يعلموا آخرين أيضًا.”
كان بولس يؤكد على أهمية نقل الإيمان بدقة وأمانة. فالإيمان المسيحي لم يكن مجرد فلسفة أو تعاليم بشرية، بل كان حقًا إلهيًا يجب الحفاظ عليه ونقله بكل أمانة. وكأن بولس كان يقول لتيموثاوس: “أنت حارس لهذا الكنز العظيم، فلا تدع أي شيء يفسده أو يشوهه.”
ثم انتقل بولس إلى استخدام أمثلة حية لتوضيح مبادئ الخدمة الأمينة. قال: “اجتهد أن تقيم نفسك لله مزكى، عاملاً لا يُخزى، مفصلاً كلمة الحق بالاستقامة.” هنا كان بولس يشبه تيموثاوس بالفلاح الذي يعمل بجد في الحقل، أو بالجندي الذي يخدم باخلاص في الجيش. الفلاح لا يمكنه أن يجني ثمارًا جيدة إلا إذا عمل باجتهاد، والجندي لا يمكنه أن يرضي قائده إلا إذا تفرغ لخدمته. هكذا يجب أن يكون خادم الرب، عاملاً باجتهاد ومكرسًا لخدمة الإنجيل.
ثم أضاف بولس: “لا يتألم الجندي مع الذين يتعبون.” كان بولس يذكّر تيموثاوس بأن الخدمة المسيحية ليست طريقًا مفروشًا بالورود، بل هي طريق يتطلب التضحية والصبر. فالجندي الحقيقي لا ينشغل بأمور الحياة المدنية، بل يركز على مهمته الأساسية. هكذا يجب أن يكون خادم الرب، غير منشغل بأمور العالم، بل مكرسًا بالكامل لخدمة الملكوت.
ثم استخدم بولس مثالًا آخر، فقال: “والذي يجاهد لا يُكلّل إن لم يجاهد قانونيًا.” كان بولس يشبه الخدمة المسيحية بالرياضة التي تتطلب الالتزام بالقواعد. فكما أن الرياضي لا يمكنه أن يفوز إلا إذا التزم بقواعد اللعبة، هكذا خادم الرب لا يمكنه أن ينال المكافأة إلا إذا خدم وفقًا لإرادة الله.
ثم تابع بولس قائلًا: “الفلاح الذي يتعب ينبغي أن يكون هو أول من يأخذ من الثمار.” هنا كان بولس يذكّر تيموثاوس بأن الخدمة الأمينة ستُكافأ في النهاية. فكما أن الفلاح الذي يعمل بجد سيجني ثمار تعبه، هكذا خادم الرب الذي يخدم بإخلاص سينال مكافأة من الله.
ثم انتقل بولس إلى تحذير تيموثاوس من التعاليم الباطلة والمناقشات العقيمة التي كانت تنتشر في ذلك الوقت. قال: “اجتنب الكلام الباطل الدنس، لأنهم سيتقدمون إلى أكثر فجور.” كان بولس يحذر تيموثاوس من الانجرار وراء الجدالات التي لا طائل من ورائها، والتي تسبب انقسامات وتشويشًا في الكنيسة. بدلاً من ذلك، كان عليه أن يركز على تعليم الحق الذي يقود إلى التوبة والإيمان بالمسيح.
ثم ختم بولس هذا الجزء من الرسالة بتشجيع قوي: “ولكن كلمة الرب ليست مقيدة.” كان بولس يذكّر تيموثاوس بأن كلمة الله قادرة على اختراق كل الحواجز والقيود. فمهما كانت الظروف صعبة، ومهما كانت التحديات كبيرة، فإن كلمة الله تبقى فعالة وقادرة على تغيير القلوب والحياة.
وهكذا، كانت رسالة بولس إلى تيموثاوس بمثابة دليل عملي للخدمة الأمينة. لقد كانت مليئة بالنصائح العملية والأمثلة الحية التي تساعد تيموثاوس على فهم طبيعة الخدمة المسيحية. كانت الرسالة تذكّره بأن الخدمة تتطلب الاجتهاد، والالتزام، والتضحية، ولكنها أيضًا ستُكافأ في النهاية.
في النهاية، كان تيموثاوس يعلم أن دوره كخادم للرب ليس مجرد وظيفة، بل هو دعوة مقدسة تتطلب منه أن يكون أمينًا في كل شيء. وكان يعلم أن قوته لا تأتي من ذاته، بل من النعمة التي في المسيح يسوع. وهكذا، استمر تيموثاوس في خدمته بكل إخلاص، حاملاً رسالة الإنجيل إلى كل من يقابله، ومؤكدًا على أهمية الحفاظ على نقاء التعليم المسيحي.