الكتاب المقدس

عهد يشوع الأخير: اختيار عبادة الرب في شكيم

في الأيام الأخيرة من حياة يشوع، قائد بني إسرائيل العظيم، اجتمع الشعب في شكيم ليسمعوا كلماته الأخيرة. كان يشوع قد شاخ وتقدم في الأيام، لكن روحه كانت لا تزال قوية، وعيناه تشعان بحكمة إلهية. وقف أمام الجميع، رافعًا يديه نحو السماء، وبدأ يتحدث بصوت جهوري يملأ المكان بهيبة الرب.

قال يشوع: “اسمعوا يا بني إسرائيل، أنتم رأيتم بأعينكم كل ما فعله الرب إلهكم من أجلكم. لقد قاتل عنكم، وأعطاكم الأرض التي وعد بها آباءكم. من النهر الكبير، نهر الفرات، إلى البحر الكبير، بحر الفلسطينيين، كل هذه الأرض صارت لكم. لم تسقط شعرة من رأس أحد من أعدائكم إلا بإرادة الرب. هو الذي حارب عنكم، وهو الذي أعطاكم النصر.”

ثم أشار يشوع إلى المستقبل، وقال: “ولكن احذروا، يا شعبي، أن تنسوا الرب إلهكم. لا تختلطوا بهذه الشعوب التي بقيت بينكم. لا تذكروا آلهتهم، ولا تحلفوا بها، ولا تعبدوها، ولا تسجدوا لها. الرب إلهكم هو الإله الوحيد الذي ينبغي أن تخدموه. إن تعلقتوا به بكل قلوبكم، فإنه سيبارككم ويحميكم. ولكن إن انحرفتم عنه وعبدتم آلهة أخرى، فإن غضبه سيلاحقكم، وستفقدون هذه الأرض الطيبة التي أعطاكم إياها.”

كانت كلمات يشوع ثقيلة على قلوب الشعب، فهم يعرفون أن الرب قد أنجز وعوده، لكنهم أيضًا يعرفون ضعفهم البشري. قال يشوع: “اعلموا أن الرب إلهكم هو إله أمانة. كما أنه وفى بكل وعوده الصالحة لكم، فإنه سيحقق أيضًا كل وعوده بالدينونة إن خنتم العهد. لا تظنوا أنكم تستطيعون أن تعيشوا في خطية وتفلتوا من عقابه. الرب إله غيور، ولن يتسامح مع عبادة الأوثان.”

ثم رفع يشوع صوته كالرعد، وقال: “اخترُوا اليوم من تعبدون! إن كان يبدو لكم شرًا أن تعبدوا الرب، فاختاروا لأنفسكم اليوم من تعبدون: هل آلهة الأموريين الذين سكن آباؤكم في أرضهم، أم آلهة المصريين الذين أخرجكم الرب منها بقوة عظيمة؟ أما أنا وبيتي، فنعبد الرب.”

فأجاب الشعب بصوت واحد: “حاشا لنا أن نترك الرب ونعبد آلهة أخرى! الرب هو الذي أخرجنا من أرض مصر، من بيت العبودية، وهو الذي صنع معنا آيات وعجائب عظيمة، وحفظنا في كل الطريق التي سرنا فيها. لذلك، نحن أيضًا نعبد الرب، لأنه إلهنا.”

فقال لهم يشوع: “أنتم شهود على أنفسكم أنكم اخترتم الرب لتعبدوه.” فأجابوا: “نحن شهود.” فقال: “فانزعوا الآلهة الغريبة التي بينكم، وأميلوا قلوبكم إلى الرب إله إسرائيل.”

وهكذا، في ذلك اليوم، قطع الشعب عهدًا مع الرب في شكيم، ووعدوا بأن يطيعوا وصاياه ويحفظوا شريعته. وكتب يشوع هذه الكلمات في سفر شريعة الله، وأخذ حجرًا كبيرًا وأقامه تحت البلوطة التي عند مقدس الرب. وقال لهم: “هذا الحجر يكون شاهدًا علينا، لأنه سمع كل كلام الرب الذي كلمنا به. فيكون شاهدًا عليكم لئلا تجحدوا إلهكم.”

ثم صرف يشوع الشعب، كل واحد إلى ملكه. وبعد ذلك بوقت قصير، مات يشوع بن نون، عبد الرب، عن عمر يناهز مئة وعشر سنوات. ودفنوه في حدود ملكه في تمنة سارح، التي في جبل أفرايم. وعاش إسرائيل في سلام طوال أيام حياة شيوخ الذين عاشوا بعد يشوع، والذين عرفوا كل أعمال الرب العظيمة التي صنعها من أجل إسرائيل.

وهكذا، بقيت كلمات يشوع تتردد في آذان الشعب، تذكيرًا لهم بعهدهم مع الرب، وتحذيرًا من مغبة الانحراف عن طريقه. وكانت تلك الكلمات نورًا يهديهم في ظلام التجارب، وعونًا لهم في أيام الضيق.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *