في الأيام القديمة، عندما كان بنو إسرائيل يسيرون في البرية تحت قيادة موسى النبي، أعطاهم الرب وصايا كثيرة لتنظيم حياتهم وضمان العدل بينهم. ومن بين هذه الوصايا، كانت هناك وصية غريبة بعض الشيء، ولكنها تحمل في طياتها دروسًا عميقة عن الكرامة والعدل. هذه الوصية مذكورة في سفر التثنية، الإصحاح الخامس والعشرين.
كان هناك رجلان، أحدهما اسمه أليعازر والآخر شمعون، وكانا أخوين يعيشان في أحد أحياء بني إسرائيل. حدث خلاف بينهما على ميراث صغير تركه لهما أبوهما بعد وفاته. وكان أليعازر الأكبر، وقد قرر أن يأخذ الجزء الأكبر من الميراث لنفسه، تاركًا شمعون بحصة ضئيلة. غضب شمعون من هذا التصرف، وشعر بأن أخاه قد ظلمه، فقرر أن يرفع الأمر إلى شيوخ المدينة ليحكموا بينهما.
جمع شيوخ المدينة الرجلين واستمعوا إلى حجج كل منهما. بعد أن تأملوا في الأمر، قرروا أن يحكموا وفقًا للشريعة التي أعطاها الرب لموسى. فاستدعوا أليعازر وقالوا له: “يا أليعازر، لقد ظلمت أخاك شمعون بأخذك الجزء الأكبر من الميراث. والآن، يجب أن تُظهر العدل وتعيد إليه حقه.”
لكن أليعازر رفض أن يطيع حكم الشيوخ، وأصر على أن الميراث هو ملكه وحده. عندها، تذكر الشيوخ الوصية التي جاءت في سفر التثنية: “إِذَا أَخَذَ رَجُلٌ امْرَأَةً وَتَزَوَّجَ بِهَا، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْهِ لأَنَّهُ وَجَدَ فِيهَا عَيْبَ شَيْءٍ، وَكَتَبَ لَهَا كِتَابَ طَلاَقٍ وَدَفَعَهُ إِلَى يَدِهَا وَأَطْلَقَهَا مِنْ بَيْتِهِ…” (تثنية 24: 1). لكنهم أيضًا تذكروا الجزء الذي يتحدث عن العدل بين الأخوة.
فقال الشيوخ لأليعازر: “إن كنت ترفض أن تحكم بالعدل، فسنطبق عليك حكمًا آخر. وفقًا للشريعة، إذا رفض رجل أن يقوم بواجبه تجاه أخيه، فإنه يُحضر إلى الشيوخ، وتُخلع نعله من رجله، ويُبصق في وجهه، ويُقال: ‘هكذا يفعل بالرجل الذي لا يبني بيت أخيه.'” (تثنية 25: 9).
عندما سمع أليعازر هذا الحكم، ارتعد من الخوف. ففكر في العار الذي سيصيبه إذا تم تطبيق هذا الحكم عليه. فقرر أن يتراجع عن موقفه ويعيد لشمعون حقه. فأخذ الجزء الذي أخذه من الميراث وأعاده إلى أخيه، قائلًا: “لقد أخطأت في حقك يا أخي، وأنا آسف. خذ حقك كاملاً.”
فرح شمعون بهذا التصرف، وعادت العلاقة بين الأخوين إلى ما كانت عليه من محبة وسلام. وشكر الشيوخ الرب على حكمته التي أعادت العدل إلى المكان.
وهكذا، تعلم بنو إسرائيل من هذه القصة أن العدل والكرامة هما من أهم القيم التي يجب أن يحافظوا عليها. وأن الرب، في حكمته، وضع شرائع تحمي الضعيف وتضمن حقوق الجميع. فكانت هذه الوصية تذكيرًا دائمًا لهم بأن العدل هو أساس الملكوت، وأن الكرامة الإنسانية هي هبة من الله يجب الحفاظ عليها.
وفي كل مرة كانوا يمرون بهذه القصة، كانوا يتذكرون أن الرب يراقب أفعالهم، وأنه يكافئ من يسير في طريق العدل، ويعاقب من يظلم أخاه. وهكذا، سار بنو إسرائيل في طريق الرب، محافظين على شرائعه، ومجتهدين في تطبيق العدل في كل جوانب حياتهم.