في الأيام التي سبقت دمار أورشليم، كان النبي إرميا واقفًا على تل خارج المدينة، ينظر إلى الأفق حيث كانت الشمس تشرق ببطء، ملوحة بضوئها الذهبي على أسوار المدينة المقدسة. لكن قلبه كان مثقلًا بالحزن والألم، لأن الرب كشف له عن شرور الشعب وخطاياهم التي ملأت الأرض. كان إرميا يبكي بكاء مريرًا، لأنه رأى ما سيأتي على شعبه بسبب عصيانهم وتركهم لوصايا الله.
قال الرب لإرميا: “لَوْ كَانَ لِي فِي الْبَرِّيَّةِ مَنْزِلُ مُسَافِرِينَ، لَتَرَكْتُ شَعْبِي وَذَهَبْتُ عَنْهُمْ، لأَنَّهُمْ جَمِيعًا زُنَاةٌ، وَجَمَاعَةٌ خَائِنُونَ.” كانت كلمات الرب قاسية، لكنها صادقة. لقد ترك الشعب الرب، إله آبائهم، وعبدوا آلهة غريبة منحوتة من الخشب والحجر. لقد خانوا العهد الذي قطعه الله معهم على جبل سيناء، وملأوا الأرض بالظلم والكذب.
وقال الرب: “يَمْتَدُّ لِسَانُهُمْ كَقَوْسِهِمْ لِلْكَذِبِ، وَقَوِيُّونَ هُمْ فِي الأَرْضِ لِلْغِشِّ، وَلَكِنْ لَيْسَ لِلْحَقِّ. تَجَاوَزُوا مِنْ شَرٍّ إِلَى شَرٍّ، وَإِيَّايَ لَمْ يَعْرِفُوا.” كان الشعب يعيش في خداع مستمر، يكذب بعضهم على بعض، ويخدعون أنفسهم بالظن أنهم آمنون بينما هم بعيدون عن الله. لقد نسوا أن الله يرى كل شيء، وأنه لا يمكن إخفاء شيء عن عينيه.
ثم قال الرب: “لِهَذَا هَكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: هَا أَنَا أُذِيبُهُمْ وَأَمْتَحِنُهُمْ، لأَنَّهُ مَاذَا أَعْمَلُ مِنْ أَجْلِ بِنْتِ شَعْبِي؟” كان الله يحزن على شعبه، لكن عدله يقتضي أن يعاقبهم على خطاياهم. لقد أعطاهم فرصًا عديدة للتوبة، لكنهم أصرّوا على طريق الشر.
وفي وسط هذا الحزن، صرخ إرميا إلى الرب قائلًا: “مَنْ هُوَ الرَّجُلُ الْحَكِيمُ الَّذِي يَفْهَمُ هَذَا؟ وَمَنْ هُوَ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ فَمُ الرَّبِّ فَيُخْبِرُ بِهِ؟ لِمَاذَا هَلَكَتِ الأَرْضُ وَاحْتَرَقَتْ كَالْبَرِّيَّةِ حَتَّى لاَ مُجْتَازَ؟” كان إرميا يتساءل عن سبب هذا الدمار الذي سيأتي على الأرض، وعن سبب عدم وجود من يفهم أو يسمع لصوت الرب.
فأجاب الرب: “مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ تَرَكُوا شَرِيعَتِي الَّتِي جَعَلْتُهَا أَمَامَهُمْ، وَلَمْ يَسْمَعُوا لِصَوْتِي وَلَمْ يَسْلُكُوا بِهَا، بَلْ سَلَكُوا بِعِنَادِ قُلُوبِهِمْ وَوَرَاءَ الْبَعْلِيمِ الَّتِي عَلَّمَهُمْ آبَاؤُهُمْ.” لقد اختار الشعب أن يسيروا وراء آلهة باطلة، آلهة لا تستطيع أن تسمع أو ترى أو تخلص، وتركوا الرب الحقيقي الذي خلصهم من عبودية مصر وأعطاهم أرضًا تفيض لبنًا وعسلًا.
ثم قال الرب: “لِهَذَا هَكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ: هَا أَنَا أُطْعِمُهُمْ، هَذَا الشَّعْبَ، عَلَاقَةَ الْمُرِّ، وَأَسْقِيهِمْ مَاءَ السَّمِّ.” كان العقاب قاسيًا، لكنه ضروري ليعود الشعب إلى الرب. لقد ملأوا الأرض بالخطية، والآن سيملأ الرب أرضهم بالمرارة والدمار حتى يتعلموا الدرس.
وفي النهاية، قال الرب: “هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ: لِيَفْتَخِرِ الْفَخُورُ بِفَهْمِهِ، وَلْيَفْتَخِرِ الْقَوِيُّ بِقُوَّتِهِ، وَلْيَفْتَخِرِ الْغَنِيُّ بِغِنَاهُ. لَكِنْ بِهَذَا لِيَفْتَخِرِ مَنِ افْتَخَرَ: بِأَنَّهُ يَفْهَمُ وَيَعْرِفُنِي، أَنِّي أَنَا الرَّبُّ الصَّانِعُ رَحْمَةً وَقَضَاءً وَعَدْلًا فِي الأَرْضِ، لأَنِّي بِهَذِهِ أُسَرُّ، يَقُولُ الرَّبُّ.” كان الرب يعلّم شعبه أن الفخر الحقيقي ليس في القوة أو الغنى أو الحكمة البشرية، بل في معرفة الرب وفهم إرادته. إن الله يسر بالرحمة والعدل، وهذه هي الأمور التي يجب أن يفتخر بها الإنسان.
وهكذا، وقف إرميا على التل، وهو يبكي على شعبه، ويعلم أن الدمار قادم لا محالة. لكنه كان يعلم أيضًا أن رحمة الرب لا تنتهي، وأن هناك أملًا لمن يعود إلى الرب بقلب نادم. لقد كانت رسالة قاسية، لكنها كانت ضرورية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من شعب الله.