الكتاب المقدس

قصة أورشليم: النعمة الإلهية والخيانة البشرية

في الأيام القديمة، عندما كان العالم لا يزال في فجر الخليقة، تكلم الرب إلى النبي حزقيال بكلمات مليئة بالرمزية والعبرة. قال الرب: “يا ابن آدم، أعرف أورشليم بآثامها.” وهكذا بدأت القصة التي تحمل في طياتها درسًا عميقًا عن النعمة الإلهية والخيانة البشرية.

في البداية، كانت أورشليم كطفلة حديثة الولادة، ملقاة في الحقل، لم تُقطع سرتها ولم تُغسل بالماء لتتطهر. لم يكن أحد ليرحمها أو يعتني بها، فتركت لتموت في العراء. ولكن الرب مرّ بها ورأى حالتها البائسة. فقال لها: “عيشي! نمت كالعشب في الحقل.” فكبرت ونمت، ووصلت إلى سن الزواج، لكنها كانت عارية وخجلى.

مرة أخرى، مرّ الرب بها ورأى أنها قد بلغت سن الحب. فمدّ رداءه عليها ليغطي عريها، وتعهد لها بعهده، فصارت له. غسلها بالماء ونظفها من كل دنس، ومسحها بالزيت، وألبسها ثيابًا فاخرة من الحرير والمطرزات. وأعطاها حليًا من ذهب وفضة، ونعالًا جميلة على قدميها. وهكذا أصبحت أورشليم جميلة جدًا، وارتفعت إلى مكانة الملكات. وانتشر صيتها بين الأمم، لأن جمالها كان كاملاً بالنعمة التي أسبغها الرب عليها.

لكن أورشليم، التي كانت يومًا طفلة ملقاة في الحقل، نسيت نعمة الرب. فاتكلت على جمالها واستخدمته للدعارة. بنت معابد وثنية على كل تل وتحت كل شجرة خضراء، وعبدت آلهة غريبة. وزنت مع كل عابر، وأعطت هداياها لكل من أراد. بل إنها ذبحت أبناءها الذين ولدتهم للرب، وقدمتهم ذبائح للأصنام. فهل هذه هي المدينة التي غسلها الرب وكرسها لنفسه؟

لذلك، قال الرب: “لأنك نسيت أيام صباك، وأهملت عهدي معك، سأجمع كل عشاقك الذين أحببتهم، وأولئك الذين كرهتهم، وأجعلهم يهاجمونك من كل جهة. وسأكشف عورتك أمامهم، فينظرون إلى خزيك.” وهكذا سقطت أورشليم تحت دينونة الرب، لأنها خانت العهد الذي قطعته معه.

لكن الرب، في رحمته، لم ينسَ عهده الأبدي. فقال: “مع ذلك، سأذكر العهد الذي قطعته معك في أيام صباك، وأقيم معك عهدًا أبديًا. فتتذكرين وتخجلين، ولا تفتحين فمك بعد الآن بسبب خزيك، عندما أغفر لك كل ما فعلت.”

وهكذا، تبقى قصة أورشليم تذكيرًا قويًا بنعمة الله التي تتفوق على خيانة الإنسان، ورحمته التي تتجاوز خطايانا. فالله، في محبته الأبدية، يغفر ويعيد بناء ما دمرته الخطيئة، ويجعل من الخزي مجدًا، ومن السقوط قيامة.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *