في تلك الأيام القديمة، عندما كانت الأرض لا تزال تتنفس أسرار الخليقة، كان يعقوب ابن إسحاق وحفيد إبراهيم قد بدأ رحلته الطويلة بحثًا عن ملجأ وعن زوجة من عشيرته. كان قد ترك بيت أبيه في بئر سبع بعد أن نال البركة من أبيه إسحاق، وكانت قلوبه مليئة بالخوف والرجاء. سار يعقوب عبر البراري والقفار، متجهًا نحو أرض حران، حيث كان خاله لابان يقيم.
وعندما وصل يعقوب إلى أرض الشرق، رأى بئرًا في الحقل، وكانت هناك قطعان من الغنم ترعى حولها. وكانت هذه البئر مغطاة بحجر كبير، وكان الرعاة يجتمعون حولها لسقي قطعانهم. فسأل يعقوب الرعاء: “من أين أنتم؟” فأجابوا: “نحن من حران.” فقال لهم: “هل تعرفون لابان بن ناحور؟” فأجابوا: “نعرفه.” فقال لهم: “هل هو بخير؟” فأجابوا: “هو بخير، وها هي راحيل ابنته قادمة مع الغنم.”
وبينما كان يعقوب يتحدث مع الرعاء، إذا براحيل تقترب مع غنم أبيها، لأنها كانت راعية. وكانت راحيل ذات جمال أخاذ، وكانت عيناها تلمعان كالنجوم في سماء الليل. فلما رأى يعقوب راحيل ابنة خاله لابان، تقدَّم ودحرج الحجر عن فم البئر وسقى غنم لابان. ثم قبل يعقوب راحيل ورفع صوته وبكى، لأنه كان مليئًا بالفرح والعاطفة. وأخبرها أنه ابن أخت أبيها، ابن رفقة. فأسرعت راحيل وأخبرت أباها.
فلما سمع لابان بخبر يعقوب، ركض لاستقباله وعانقه وقبله وأتى به إلى بيته. فحكى يعقوب لخاله كل ما حدث معه. فقال له لابان: “إنك عظمي ولحمي.” فأقام يعقوب عنده شهرًا كاملًا.
وبعد ذلك، قال لابان ليعقوب: “ألأنك أخي تخدمني مجانًا؟ أخبرني ما أجرتك.” وكان للابان ابنتان: الكبرى اسمها ليئة، والصغرى اسمها راحيل. وكانت عينا ليئة ضعيفتين، أما راحيل فكانت جميلة المنظر وحسنة الصورة. فأحب يعقوب راحيل وقال: “أخدمك سبع سنين من أجل راحيل ابنتك الصغرى.” فقال لابان: “خير أن أعطيها لك من أن أعطيها لرجل آخر. أقم عندي.”
فخدم يعقوب سبع سنين من أجل راحيل، وكانت في عينيه كأيام قليلة بسبب محبته لها. ثم قال يعقوب للابان: “أعطني امرأتي، لأن أيامي قد كملت لأدخل إليها.” فجمع لابان جميع رجال المكان وأقام وليمة. ولكن عندما جاء المساء، أخذ ليئة ابنته وأدخلها إلى يعقوب، فدخل إليها. وكان لابان قد أعطى جاريته زلفى لليئة كجارية.
وعند الصباح، إذا بيعقوب يكتشف أن ليئة هي التي دخل عليها، فغضب وقال للابان: “ماذا فعلت بي؟ ألم أخدمك من أجل راحيل؟ فلماذا خدعتني؟” فأجاب لابان: “ليس من عادتنا أن نزوج الصغرى قبل الكبرى. أكمِل أسبوع هذه، ثم نعطيك أيضًا راحيل مقابل أن تخدمني سبع سنين أخرى.”
ففعل يعقوب ذلك، وأكمل أسبوع ليئة، ثم أعطاه لابان راحيل ابنته زوجة له. وكان لابان قد أعطى جاريته بلهة لراحيل كجارية. فدخل يعقوب أيضًا على راحيل، وأحبها أكثر من ليئة. وخدم لابان سبع سنين أخرى.
وهكذا، عاش يعقوب في بيت خاله لابان، وكان الله معه، وباركه في كل أعماله. وكانت قصة يعقوب وراحيل وليئة بداية لسلسلة من الأحداث التي ستغير مصير أمة بأكملها، لأن من نسل يعقوب ستخرج الأسباط الاثنا عشر، الذين سيصبحون آباء شعب إسرائيل. وكانت محبة يعقوب لراحيل مثالًا على الإخلاص والصبر، حتى في وجه الخداع والمصاعب.