في الأيام القديمة، عندما كانت كلمة الله تُعلن من خلال الأنبياء والكهنة، كانت هناك حاجة ماسة إلى وسيط بين الله والناس. وكان الكاهن هو الشخص الذي يقف في هذه الهوة، مقدماً الذبائح عن الخطايا، وطالباً الرحمة من الله لأجل الشعب. ولكن الكاهن نفسه كان إنساناً، يحمل في داخله ضعفاً وخطية، لذلك كان يحتاج هو أيضاً إلى التقدمة عن نفسه قبل أن يقدم عن الآخرين.
وفي رسالة العبرانيين، يُذكر لنا أن الله قد اختار رئيس كهنة عظيماً، ليس من البشر العاديين، بل من ذاته، من خلال ابنه الوحيد، يسوع المسيح. هذا الكاهن الأعظم لم يكن بحاجة إلى تقديم ذبائح عن نفسه، لأنه كان بلا خطية، طاهراً، منفصلاً عن الخطاة، وقد ارتفع إلى أعلى السماوات.
لنتخيل المشهد: في السماء، حيث العرش الإلهي محاط بالملائكة الذين يسبحون بلا توقف، يقف يسوع، الكاهن الأعظم، بثياب بيضاء ناصعة، كالثلج. وجهه يلمع بنور المجد، وعيناه تفيضان بالرحمة والحب لكل من يؤمن به. هو لا يحتاج إلى تقديم ذبائح يومية، كما كان يفعل الكهنة في الهيكل، لأنه قد قدم نفسه مرة واحدة وإلى الأبد، ذبيحة كاملة وكافية لفداء البشرية جمعاء.
وفي الأرض، كان الناس يصرخون من أجل الخلاص، محمّلين بثقل الخطية والعار. لكن يسوع، الكاهن الأعظم، سمع صراخهم. لقد عاش بينهم، عارفاً آلامهم، مجرباً في كل شيء مثلهم، لكنه لم يخطئ. لقد بكى مع الحزانى، وشفى المرضى، ورفع المنكسرين. وفي النهاية، حمل على كتفيه صليب الخلاص، مقدمًا نفسه ذبيحة حية، طاهرة، بلا عيب.
وعندما صعد إلى السماء، جلس عن يمين العظمة في الأعالي، ليس كمن يحتاج إلى تقديم ذبائح أخرى، بل كمن قد أكمل العمل. هو الآن يشفع فينا أمام الآب، طالباً الرحمة والنعمة لنا في وقت الحاجة. صلاته ليست كصلاة البشر، بل هي صلاة الكاهن الأعظم الذي يعرف ضعفنا، لأنه جُرّب في كل شيء مثلنا.
لذلك، عندما نقرأ في العبرانيين 5 عن يسوع الكاهن الأعظم، نرى صورة رائعة للرحمة الإلهية. الله لم يتركنا في ضعفنا، بل أرسل لنا كاهناً عظيماً، قادراً أن يرثي لضعفاتنا، وأن يقدم لنا الخلاص الكامل. هذا الكاهن ليس كالكهنة الذين يموتون ويحتاجون إلى من يخلفهم، بل هو حي إلى الأبد، وكهنوته لا يزول.
فلنقترب إذن بثقة إلى عرش النعمة، حيث يسوع الكاهن الأعظم ينتظرنا، ليقدم لنا الرحمة والنعمة في وقت الحاجة. هو الذي عرف آلامنا، وحمل خطايانا، وصعد إلى السماء ليكون شفيعنا الأمين. فلنثق به، ولنتبع خطاه، لأنه الطريق والحق والحياة.