في يومٍ من الأيام، تجمّع جيش داود الملك في أرض جلعاد، استعدادًا لمواجهة جيش أبشالوم، ابن داود الذي تمرد على أبيه وسعى للاستيلاء على العرش. كان الجو مشحونًا بالتوتر، والسماء تميل إلى اللون الرمادي، وكأنها تعكس حالة الحزن التي كانت تسيطر على قلب داود. فقد كان الملك يعلم أن المعركة قادمة لا محالة، لكن قلبه كان مثقلًا بالقلق على مصير ابنه أبشالوم.
وقف داود أمام قادته العسكريين، يوآب وأبيشاي وإتاي، وقال لهم بصوتٍ حازم لكنه يحمل في طياته الحزن: “كونوا حذرين من أجل شاب أبشالوم. لا تؤذوه”. كان داود يعلم أن ابنه قد أخطأ، لكنه لم يستطع أن يتخلى عن الأبوة التي كانت تربطه به. كان يوآب وأبيشاي وإتاي يستمعون باهتمام، لكنهم كانوا يعلمون أن المعركة ستكون شرسة، وأن الأمور قد لا تسير كما يريد الملك.
خرج الجيش إلى ساحة المعركة، وكانت الغابة الكثيفة في أرض جلعاد هي المكان الذي التقى فيه الجيشان. كانت الأشجار العالية تلامس السماء، وأغصانها المتشابكة تحجب أشعة الشمس، مما جعل المكان يبدو كأنه عالمٌ آخر. بدأت المعركة، وكان القتال شرسًا. سمع صوت السيوف وهي تتصادم، وصراخ الرجال الذين يسقطون على الأرض. كانت الأرض تبتلع الدماء، والغابة تئن تحت وطأة الحرب.
في خضم المعركة، وجد أبشالوم نفسه وحيدًا، يركب على بغلته، محاولًا الهروب من ساحة القتال. لكن شعره الطويل، الذي كان مصدر فخره، أصبح سببًا في هلاكه. فقد تشابك شعره في أغصان شجرة بلوط ضخمة، وعلق في الهواء، بينما استمرت بغلته في الجري، تاركة إياه معلقًا بين السماء والأرض. كان أبشالوم عاجزًا، لا يستطيع الحركة، وكأن القدر قد حكم عليه بهذه النهاية المأساوية.
رأى أحد الجنود أبشالوم معلقًا، فأسرع إلى يوآب وأخبره بما حدث. قال الجندي: “لقد رأيت أبشالوم معلقًا في شجرة بلوط”. رد يوآب بغضب: “لماذا لم تقتله؟ كنت سأكافئك بفضة وعشرة قطع من الملابس”. لكن الجندي تردد، وقال: “حتى لو أعطيتني ألف قطعة من الفضة، ما كنت لأمد يدي على ابن الملك. لقد سمعنا الملك يأمرك ويأمر أبيشاي وإتاي قائلًا: ‘احفظوا لي الشاب أبشالوم'”.
لم ينتظر يوآب طويلًا. أمسك بثلاثة رماح وذهب إلى المكان الذي كان أبشالوم معلقًا فيه. وبقلبٍ قاسٍ، طعن أبشالوم في قلبه، بينما كان لا يزال حيًا، معلقًا في الشجرة. ثم أحاط به عشرة من حاملي أسلحة يوآب، وأكملوا قتله. بعد ذلك، أخذوا جثة أبشالوم وطرحوها في حفرة عميقة في الغابة، وغطوها بكومة كبيرة من الحجارة. كان هذا نهاية مأساوية لابنٍ تمرد على أبيه، لكنها كانت أيضًا نهاية حزينة لداود، الذي كان يحبه رغم كل شيء.
أما داود، فقد كان جالسًا بين البابين في المدينة، ينتظر أخبار المعركة. كان قلبه يعتصر ألمًا، وخوفًا على مصير ابنه. رأى الحراس رجلًا يركض من بعيد، فأخبروا الملك. عندما اقترب الرجل، كان أخيمعص بن صادوق، الذي قال للملك: “السلام عليك”. لكن داود لم يكن مهتمًا بالسلام، بل سأله بقلق: “أمهل الشاب أبشالوم؟” أجاب أخيمعص: “رأيت ضجة عظيمة عندما أرسل يوآب عبد الملك، لكني لا أعرف ما حدث”.
ثم جاء رجلٌ آخر، وهو الكوشي، وقال للملك: “ليكن سيدي الملك في سلام. لقد انتقم الله اليوم من جميع الذين قاموا عليك بالشر”. عندها سأل داود بقلبٍ مثقل: “أمهل الشاب أبشالوم؟” أجاب الكوشي: “ليكن أعداء سيدي الملك، وكل الذين قاموا عليك بالشر، مثل ذلك الشاب”.
عندما سمع داود هذه الكلمات، ارتعد قلبه، وامتلأ بالحزن. صعد إلى غرفة في أعلى الباب، وبدأ يبكي بصوتٍ عالٍ، وهو يقول: “ابني أبشالوم، ابني أبشالوم، ليتني مت عوضًا عنك. يا أبشالوم، ابني، ابني”. كانت دموع داود تنساب بغزارة، وكأنها تعبر عن عمق الألم الذي كان يشعر به. لقد خسر المعركة، لكنه خسر أيضًا ابنه، وكان هذا أكثر مما يستطيع تحمله.
وهكذا، انتهت المعركة بانتصار جيش داود، لكنها تركت في قلب الملك جرحًا لن يندمل. كانت قصة أبشالوم تذكيرًا بأن التمرد والعصيان يؤديان إلى الهلاك، لكنها أيضًا تذكير بأن الحب الأبوي لا ينتهي، حتى في وجه الخيانة.