الكتاب المقدس

داود في البرية: عطش روحي وارتواء إلهي

في قديم الزمان، في أرض يهوذا القاحلة، كان هناك رجل تقي يدعى داود. كان داود ملكًا، لكنه في تلك الأيام كان هاربًا من وجه ابنه أبشالوم الذي تمرد عليه وطالب بالعرش. ترك داود أورشليم، المدينة التي أحبها، ووجد نفسه في برية يهوذا، حيث الرمال الحارقة والرياح الجافة والليل البارد. ومع ذلك، في وسط هذه الظروف القاسية، كان قلب داود ممتلئًا بالشوق إلى الله.

في إحدى الليالي، بينما كان داود يجلس تحت سماء صافية مزدانة بالنجوم، شعر بعطش روحي عميق. نظر حوله فرأى الصحراء الممتدة بلا نهاية، وكأنها ترمز إلى فراغ قلبه دون حضور الله. رفع عينيه نحو السماء وصلى بصوت خافت لكنه مليء بالإيمان:

“يا الله، أنت إلهي، إليك أبكّر. عطشت إليك نفسي، يشتاق إليك جسدي في أرض ناشفة وعطشى بلا ماء.”

كانت كلماته تخرج من أعماق قلبه، وكأنها تلامس عرش السماء. شعر داود بحضور الله قريبًا، وكأن الريح التي كانت تهمس بين الصخور تحمل معها نسمات من رحمة الله. تذكر داود أيام العبادة في الهيكل، حيث كان يقف أمام الله بقلب ممتلئ بالفرح والخشوع. قال في نفسه:

“لقد نظرت إليك في القدس لأرى قوتك ومجدك. لأن رحمتك أحسن من الحياة، شفتاي تسبحانك.”

وفي تلك اللحظة، شعر داود بأن الله ليس بعيدًا عنه، بل هو معه حتى في هذه البرية القاسية. شعر بأن قلبه يمتلئ بالسلام، وكأن عطشه الروحي قد ارتوى من ينابيع النعمة الإلهية. رفع يديه نحو السماء وبدأ يسبح:

“هكذا أباركك في حياتي، باسمك أرفع يديّ. كما من شحم ودسم تشبع نفسي، وبهتاف شفتيّ يسبح فمي.”

كان داود يعلم أن الله هو مصدر كل بركة وقوة. شعر بأن روحه تتغذى من حضور الله، وكأنه يتناول أطيب الطعام وألذ الشراب. وفي تلك اللحظة، تذكر أعداءه الذين يتربصون به، لكنه لم يخشهم، لأنه كان واثقًا بأن الله سينصره. قال في قلبه:

“على فراشي أذكرك، في السهود ألهج بك. لأنك صرت معيني، فأظل بظل جناحيك أبتهج.”

وبينما كان داود يتأمل في محبة الله، شعر بأن قلبه يمتلئ بالفرح والسلام. كان يعلم أن الله لن يتخلى عنه، وأنه سيكون معه في كل خطوة يخطوها. قال في نفسه:

“لقد تعلقت بك نفسي، وعضدك الأيمن يعضدني. وأما الذين يطلبون نفسي ليهلكوها، فسيذهبون إلى أسافل الأرض.”

كان داود واثقًا بأن أعداءه سيهزمون، لأن الله هو الذي يحارب عنه. شعر بأن قلبه يمتلئ بالشجاعة، وكأنه يقف في معركة روحية منتصرًا بسلاح الإيمان. وفي النهاية، رفع صوته مرة أخرى نحو السماء وقال:

“أما الملك فيفرح بالله، وكل من يحلف به يفتخر. لأن أفواه الكذابين تسد.”

وهكذا، في وسط البرية القاحلة، وجد داود قوته وفرحه في الله. كان يعلم أن الله هو مصدر حياته وقوته، وأنه لن يتخلى عنه أبدًا. وفي تلك الليلة، نام داود بسلام، وكأنه في أحضان الله، واثقًا بأن الغد سيجلب معه نصرًا جديدًا بفضل نعمة الله التي لا تفنى.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *