في الأيام القديمة، عندما كانت الأرض لا تزال تئن تحت وطأة الخطيئة، وكان البشر يبحثون عن نور الله وسط ظلام العالم، جاءت كلمة الرب لتذكرهم بجلاله وعظمته. كان ذلك في وقتٍ كان فيه الشعب يعيش في ارتباكٍ وضياع، ينسون أحيانًا من هو الذي خلقهم ومن هو الذي يحميهم. فجاءت كلمات المزمور الخامس والتسعين لتوقظ قلوبهم وتذكرهم بعظمة الله وحكمته.
في ذلك الزمان، اجتمع الشعب في ساحة القرية تحت سماء صافية، حيث كانت النجوم تتلألأ كأنها عيون السماء تراقب الأرض. اجتمعوا ليسمعوا كلمات المزمور التي كانت تُتلى بصوتٍ عالٍ وواضح، كأنها نداءٌ من السماء نفسها. بدأ القارئ بالقول: “هَلُمَّ نُرَنِّمْ لِلرَّبِّ، نَهْتِفْ لِصَخْرَةِ خَلاَصِنَا. نَلْقَ بِوُجُوهِنَا قُدَّامَهُ بِتَسْبِيحٍ، نَهْتِفْ لَهُ بِتَرَانِيمَ.”
كانت الكلمات تملأ الأجواء بروح الفرح والابتهاج، وكأنها تلامس قلوب الحاضرين وتحرك مشاعرهم العميقة. تذكر الجميع أن الله هو الصخرة التي لا تتزعزع، وهو الملجأ في أوقات الضيق. ثم تابع القارئ: “لأَنَّ الرَّبَّ إِلهٌ عَظِيمٌ، وَمَلِكٌ عَظِيمٌ فَوْقَ كُلِّ الآلِهَةِ. الَّذِي بِيَدِهِ أَعَاقِيدُ الأَرْضِ، وَرَوَاسِي الْجِبَالِ لَهُ. الَّذِي لَهُ الْبَحْرُ، وَهُوَ صَنَعَهُ، وَالْيَابِسَةُ يَدَاهُ كَوَّنَتَا.”
توقف الجميع ليتأملوا في عظمة الخالق، الذي بيده كل شيء، والذي صنع البحر واليابسة بسلطانه. تذكر الشعب كيف أن الله هو الذي خلق الجبال الشامخة والبحار الواسعة، وكيف أن كل شيء في الكون يخضع لمشيئته. ثم جاءت الكلمات التالية لتذكرهم بضرورة الخضوع والعبادة: “هَلُمَّ نَسْجُدْ وَنَنْحَنِي، نَجْثُو أَمَامَ الرَّبِّ خَالِقِنَا. لأَنَّهُ هُوَ إِلهُنَا، وَنَحْنُ شَعْبُ مَرْعَاهُ وَغَنَمُ يَدِهِ.”
كانت هذه الكلمات تذكيرًا قويًا بأن الله هو الراعي الصالح، الذي يرعى شعبه كالغنم، ويحميهم من كل شر. لكن القارئ لم يتوقف عند هذا الحد، بل تابع ليحذر الشعب من الخطيئة التي قد تبعدهم عن الله: “الْيَوْمَ إِنْ سَمِعْتُمْ صَوْتَهُ فَلاَ تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ كَمَا فِي الْمَرَّةِ، كَيَوْمِ الْمِحْنَةِ فِي الْقَفْرِ، حَيْثُ جَرَّبَنِي آبَاؤُكُمْ. اخْتَبَرُونِي وَرَأَوْا عَمَلِي.”
تذكر الشعب كيف أن أسلافهم، أثناء رحلتهم في البرية، قسوا قلوبهم ولم يثقوا في الله، رغم كل المعجزات التي أظهرها لهم. كان ذلك تحذيرًا لهم ألا يكرروا نفس الخطأ، وألا يسمحوا للشك والتمرد أن يتسلل إلى قلوبهم. ثم ختم القارئ المزمور بكلمات قوية: “أَرْبَعِينَ سَنَةً امْتَقَتُّ ذلِكَ الْجِيلَ، وَقُلْتُ: هُمْ شَعْبٌ ضَالٌّ قَلْبُهُمْ، وَهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا طُرُقِي. فَأَقْسَمْتُ فِي غَضَبِي: إِنَّهُمْ لاَ يَدْخُلُونَ رَاحَتِي.”
كانت هذه الكلمات بمثابة صرخة تحذير للشعب، تذكرهم بأن الله لا يتسامح مع التمرد وعدم الإيمان. فالشعب الذي يرفض سماع صوت الله ويقسو قلبه، لن يدخل راحة الرب. وبعد أن انتهى القارئ من تلاوة المزمور، ساد الصمت المكان لبرهة، وكأن كل شخص كان يتأمل في كلمات الله ويتفحص قلبه.
ثم بدأ الشعب بالترنيم والابتهاج، معترفين بعظمة الله وخاضعين لسلطانه. كانت تلك اللحظة تذكيرًا قويًا بأن الله هو الخالق والراعي، وأن عليهم أن يثقوا به ويطيعوا وصاياه. وعاد كل واحد إلى بيته، حاملًا في قلبه رسالة المزمور: أن الله عظيم، وأن راحته مخصصة لمن يسمع صوته ولا يقسو قلبه.
وهكذا، أصبحت كلمات المزمور الخامس والتسعين نورًا يهدي الشعب في ظلام العالم، ويذكرهم دائمًا بأن الله هو الصخرة التي لا تتزعزع، وهو الراعي الذي لا يترك غنمه تضل.