الكتاب المقدس

نوح والطوفان: بداية جديدة ووعد إلهي

بعد أن طفت السفينة على وجه المياه العظيمة لمدة مئة وخمسين يوماً، بدأت المياه تنحسر تدريجياً. وكان الله قد ذكر نوحاً وكل من معه في السفينة، فأرسل ريحاً قوية على الأرض فبدأت المياه تنخفض. وتوقفت ينابيع الغمر وطاقات السماء، فانحسرت المياه عن الأرض ببطء ولكن بثبات. وبعد مئة وخمسين يوماً، استقرت السفينة على جبال أراراط.

وبعد مرور أربعين يوماً أخرى، فتح نوح نافذة السفينة التي كان قد صنعها وأطلق غراباً ليرى إن كانت المياه قد جفت عن الأرض. فكان الغراب يذهب ويعود حتى جفت المياه عن الأرض. ثم أرسل نوح حمامة من بعده ليرى إن كانت المياه قد انحسرت عن وجه الأرض. ولكن الحمامة لم تجد مكاناً تستريح فيه، فرجعت إليه إلى السفينة لأن المياه كانت لا تزال تغطي كل الأرض. فمد نوح يده وأخذها وأدخلها إليه إلى السفينة.

وانتظر نوح سبعة أيام أخرى، ثم أرسل الحمامة مرة ثانية. وفي المساء رجعت الحمامة إليه وفي فمها ورقة زيتون خضراء. فعلم نوح أن المياه قد انحسرت عن الأرض. فانتظر سبعة أيام أخرى وأرسل الحمامة مرة ثالثة، فلم تعد إليه. وهكذا علم أن الأرض قد جفت.

وفي اليوم الأول من الشهر الأول من السنة الستمائة وواحدة من حياة نوح، لما جفت المياه عن الأرض، كشف نوح غطاء السفينة ونظر فإذا وجه الأرض قد جف. وفي الشهر الثاني، في اليوم السابع والعشرين من الشهر، جفت الأرض تماماً.

فكلم الله نوحاً قائلاً: “اخرج من السفينة أنت وامرأتك وبنوك ونساء بنيك معك. وكل الحيوانات التي معك من كل ذي جسد، من الطيور والبهائم وكل الدبابات التي تدب على الأرض، أخرجها معك لتتوالد وتكثر على الأرض.” فخرج نوح وبنوه وامرأته ونساء بنيه معه. وكل الحيوانات وكل الدبابات وكل الطيور، كل ما يدب على الأرض حسب أنواعه، خرجوا من السفينة.

وبنى نوح مذبحاً للرب، وأخذ من كل البهائم الطاهرة ومن كل الطيور الطاهرة، وأصعد محرقات على المذبح. فتنسم الرب رائحة الرضا وقال في قلبه: “لن أعود ألعن الأرض أيضاً من أجل الإنسان، لأن تصور قلب الإنسان شرير منذ حداثته. ولن أضرب كل حي كما فعلت. فمادامت الأرض تبقى، فالبذر والحصاد، والبرد والحر، والصيف والشتاء، والليل والنهار، لا تزال.”

وبارك الله نوحاً وبنيه وقال لهم: “أثمروا واكثروا واملأوا الأرض. وليكن خوفكم ورعبكم على كل حيوانات الأرض وعلى كل طيور السماء، مع كل ما يدب على الأرض وكل سمك البحر. قد دُفعت إلى أيديكم. كل دابة حية تكون لكم طعاماً. كالعشب الأخضر دفعت لكم الجميع. ولكن لحماً بحياته دمه لا تأكلوه. وأطلب دم أنفسكم من يد كل حيوان أطلبه، ومن يد الإنسان أطلب دم الإنسان. من يد أخيه أطلب دم الإنسان. من سفك دم الإنسان، بالإنسان يسفك دمه، لأن الله على صورته عمل الإنسان. وأما أنتم فأثمروا واكثروا وتوالدوا في الأرض وتكاثروا فيها.”

وهكذا بدأت حياة جديدة على الأرض بعد الطوفان، ووعد الله نوحاً والبشرية جمعاء بأنه لن يدمر الأرض بالمياه مرة أخرى. ووضع الله قوسه في السحاب علامةً للعهد بينه وبين كل ذي جسد على الأرض. فكلما ظهر القوس في السحاب، تذكر الله عهده مع كل كائن حي، ولن تكون المياه طوفاناً لتهلك كل ذي جسد.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *