الكتاب المقدس

مثل الوكيل غير الأمين والغني ولعازر

في إحدى الأيام، كان يسوع يُعلّم تلاميذه والجموع التي تتبعه، فبدأ يحكي لهم مثلًا عن رجل غنيٍّ ووكيلٍ غير أمين. كان الرجل الغنيّ يملك أموالًا طائلة وأراضي واسعة، وكان لديه وكيلٌ يدير أعماله. لكنّ هذا الوكيل لم يكن أمينًا في إدارته، بل كان يُسرف في إنفاق أموال سيّده دون حساب.

فجاءت أنباء إلى الرجل الغنيّ عن تصرّفات وكيله، فاستدعاه وقال له: “ماذا أسمع عنك؟ قدّم لي حساب وكالتك، لأنك لا تعود قادرًا على أن تكون وكيلي.” ففكّر الوكيل في نفسه: “ماذا أفعل الآن؟ سيّدي يأخذ مني الوكالة، وأنا لا أقدر على الحفر، وأستحي أن أتسوّل. أعرف ما سأفعله حتى يقبلوني في بيوتهم عندما أُعفى من الوكالة.”

فدعا كل واحدٍ من مديوني سيّده، وقال للأول: “كم أنت مديون لسيّدي؟” فأجاب الرجل: “مئة بِثْقَةٍ من الزيت.” فقال له الوكيل: “خذ صكّك، واجلس سريعًا، واكتب خمسين.” ثم قال لآخر: “وأنت، كم أنت مديون؟” فأجاب: “مئة كُرٍّ من الحنطة.” فقال له: “خذ صكّك، واكتب ثمانين.”

فأثنى السيّد على وكيل الظلم، لأنه تصرّف بحكمة. فابناء هذا العالم أحكم من أبناء النور في تعاملهم مع جيلهم. وأنا أقول لكم: اصنعوا لكم أصدقاء بمال الظلم، حتى إذا فنيتم يقبلونكم في المظالّ الأبدية.

ثم تابع يسوع كلامه، قائلًا: “من كان أمينًا في القليل، فهو أمين أيضًا في الكثير. ومن كان غير أمين في القليل، فهو غير أمين أيضًا في الكثير. فإن لم تكونوا أمناء في مال الظلم، فمن يئتمنكم على الحقّ؟ وإن لم تكونوا أمناء في ما هو للغير، فمن يعطيكم ما هو لكم؟”

ثم أضاف يسوع: “لا يقدر أحدٌ أن يخدم سيّدين، لأنه إما أن يبغض الواحد ويحبّ الآخر، أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر. لا تقدرون أن تخدموا الله والمال.”

وكان الفريسيون، الذين كانوا محبّين للمال، يسمعون هذا كلّه، فكانوا يستهزئون به. فقال لهم يسوع: “أنتم الذين تبرّرون أنفسكم قدام الناس، ولكن الله يعرف قلوبكم. لأن ما هو مرتفع عند الناس هو رجسٌ عند الله.”

ثم تكلّم يسوع عن الناموس والأنبياء، قائلًا: “كان الناموس والأنبياء إلى يوحنّا. ومن ذلك الوقت يُبشّر بملكوت الله، وكلّ واحدٍ يغتصب نفسه إليه. ولكن زوال السماء والأرض أيسر من أن تسقط نقطة واحدة من الناموس.”

ثم حذّرهم يسوع من الطلاق، قائلًا: “كلّ من يطلّق امرأته ويتزوّج بأخرى يزني، وكلّ من يتزوّج بمطلّقة يزني.”

ثم حكى لهم مثلًا عن رجل غنيٍّ وآخر فقير. كان الرجل الغنيّ يلبس الأرجوان والكتّان الفاخر، ويعيش كل يوم في البذخ والترف. وكان هناك فقيرٌ اسمه لعازر، ملقى عند باب الغنيّ، مملوءًا قروحًا، وكان يشتهي أن يشبع من الفتات الساقط من مائدة الغنيّ، بل كانت الكلاب تأتي وتلحس قروحه.

وحدث أن مات الفقير، فحملته الملائكة إلى حضن إبراهيم. ومات الغنيّ أيضًا، فدفن. وفي الجحيم رفع الغنيّ عينيه وهو في العذاب، فرأى إبراهيم من بعيد ولعازر في حضنه. فصرخ وقال: “يا أبي إبراهيم، ارحمني، وأرسل لعازر ليبلّ طرف إصبعه بماء ويبرّد لساني، لأني معذّبٌ في هذا اللهيب.”

فأجاب إبراهيم: “يا ابني، اذكر أنك استوفيت خيراتك في حياتك، وكذلك لعازر البلايا. والآن هو يتعزّى هنا، وأنت تتعذّب. وفوق هذا كلّه، بيننا وبينكم هوّة عظيمة قد أُقيمت، حتى إن الذين يريدون العبور من هنا إليكم لا يقدرون، ولا الذين من هناك يصلون إلينا.”

فقال الغنيّ: “أسألك إذن، يا أبي، أن ترسله إلى بيت أبي، لأن لي خمسة إخوة، ليشهد لهم لئلّا يأتوا هم أيضًا إلى موضع العذاب هذا.”

فأجاب إبراهيم: “عندهم موسى والأنبياء، فليسمعوا لهم.”

فقال الغنيّ: “لا يا أبي إبراهيم، بل إذا مضى إليهم واحدٌ من الأموات يتوبون.”

فقال له إبراهيم: “إن كانوا لا يسمعون لموسى والأنبياء، ولا إن قام واحدٌ من الأموات يصدّقون.”

وهكذا ختم يسوع قصّته، ليُظهر لهم أهمية الاستماع إلى كلمة الله والاستعداد للحياة الأبدية، لأنّ الأمور الزائلة في هذا العالم لا تُقارَن بالمجازاة الأبدية.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *