في الأيام التي سبقت سقوط أورشليم، عندما كان شعب إسرائيل يعاني من وطأة الخطيئة والعقاب، تكلم الرب مع إرميا النبي بكلمات رجاء ووعد. كانت تلك الكلمات بمثابة نور في ظلام الليل، ونداء محبة من إله غفور رحيم.
قال الرب: “هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، أَقْطَعُ فِيهَا عَهْدًا جَدِيدًا مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَمَعَ بَيْتِ يَهُوذَا. لَيْسَ كَالْعَهْدِ الَّذِي قَطَعْتُهُ مَعَ آبَائِهِمْ يَوْمَ أَمْسَكْتُ بِيَدِهِمْ لِأُخْرِجَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، الَّذِينَ نَقَضُوا عَهْدِي فَأَنَا أَهَنْتُهُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ.”
كان العهد القديم قد كُسِرَ بسبب عصيان الشعب وعبادتهم للأصنام، لكن الرب، في رحمته التي لا تُحد، وعد بعهد جديد. هذا العهد لن يكون مكتوبًا على ألواح حجرية، بل على قلوب البشر. قال الرب: “بَلْ هذَا هُوَ الْعَهْدُ الَّذِي أَقْطَعُهُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ بَعْدَ تِلْكَ الأَيَّامِ، يَقُولُ الرَّبُّ: أَجْعَلُ شَرِيعَتِي فِي دَاخِلِهِمْ، وَأَكْتُبُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَأَكُونُ لَهُمْ إِلهًا وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا.”
كانت هذه الكلمات تلمس أعماق القلب، كأنها نداء من أب يحنو على أولاده. الرب وعد بأنه لن يعود أحد يعلم أخاه أو صاحبه قائلًا: “اعْرِفُوا الرَّبَّ”، لأن الجميع، من الصغير إلى الكبير، سيعرفونه. قال الرب: “لأَنِّي أَصْفَحُ عَنْ إِثْمِهِمْ، وَلا أَذْكُرُ خَطِيَّتَهُمْ بَعْدُ.”
وفي تلك الأيام، كانت أورشليم تعاني من الدمار والخراب، لكن الرب وعد بالعودة والبناء. قال: “هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، يُبْنَى فِيهَا هذَا الْمَدِينَةُ لِلرَّبِّ مِنْ بُرْجِ حَنَنْئِيلَ إِلَى بَابِ الزَّاوِيَةِ.” كانت هذه الكلمات تبعث الأمل في قلوب الشعب، كأنها بذور تُزرع في أرض قاحلة، وعدًا بأن الرب سيعيد بناء ما دمرته الخطيئة.
وتابع الرب قائلًا: “وَيَخْرُجُ الْقَائِسُونَ أَيْضًا لِيَقِيسُوا، وَيَدُورُونَ حَوْلَهَا كُلَّهَا. وَكُلُّ الْبِقَاعِ الَّتِي كَانَتْ خَرِبَةً وَمُقْفِرَةً وَمُهْدَمَةً تُصْبِحُ مُقَدَّسَةً لِلرَّبِّ.” كانت هذه الكلمات ترمز إلى تجديد شامل، ليس فقط للمدينة المادية، بل للقلوب والنفوس أيضًا.
وفي ختام كلامه، قال الرب: “لاَ يُقَالُ بَعْدُ: الْعَرْقَلَةُ عَرْقَلَةٌ، وَلاَ الْفَسَادُ فَسَادًا، بَلْ يُقَالُ لَهَا: الرَّبُّ بَرُّنَا، وَيُقَالُ لِأُورُشَلِيمَ: رَبِّي فِيهَا، وَلِيَهُوذَا: رَبِّي فِيهَا.” كانت هذه الكلمات تعلن عن حقبة جديدة، حيث سيكون الرب حاضرًا في وسط شعبه، وسيكون هو مصدر برهم وقوتهم.
وهكذا، في وسط الظلام واليأس، أعلن الرب عن عهد جديد، وعدًا بمحبة لا تنتهي وغفران لا يُحد. كانت كلمات إرميا تذكر الشعب بأن الرب، رغم كل شيء، هو إله الرحمة والوفاء، وأنه سيأتي يوم يعود فيه شعبه إليه بقلوب جديدة، وروح جديدة، وعهد جديد.