في الأيام القديمة، عندما كان بنو إسرائيل يسيرون في البرية بعد خروجهم من أرض مصر، كلم الرب موسى على جبل سيناء وأعطاه وصايا كثيرة ليقود بها شعبه. ومن بين هذه الوصايا، كانت هناك وصية خاصة تتعلق بالأرض والسنة السبتية وسنة اليوبيل. هذه الوصية كانت تحمل في طياتها بركة عظيمة ورمزًا لرحمة الله وعدله.
قال الرب لموسى: “كلم بني إسرائيل وقل لهم: عندما تدخلون الأرض التي أعطيكم إياها، يجب أن ترتاح الأرض وتكرم الرب بسبت له. ستزرعون حقولكم وتقطفون كرومكم لمدة ست سنوات، ولكن في السنة السابعة، تكون الأرض في راحة تامة. لا تزرعوا ولا تحصدوا ما ينبت من تلقاء نفسه. هذه السنة تسمى سنة السبت، وهي مكرسة للرب.”
استمع بنو إسرائيل إلى هذه الكلمات بوقار، ولكنهم تساءلوا عن معنى هذه الراحة للأرض. فأوضح لهم موسى أن هذه السنة السبتية هي تذكير بأن الأرض هي ملك للرب، وأنهم مجرد مستأجرين عليها. فالأرض التي أعطاهم إياها الله يجب أن تُكرم وتُحترم، وأن يعترفوا بأن كل بركة تأتي من الرب وحده.
ثم تابع الرب كلامه لموسى: “وبعد أن تعدوا سبع سبوت سنين، أي تسعة وأربعين سنة، في السنة الخمسين، تقررون سنة يوبيل. في هذه السنة، يُنادى بالحرية في كل الأرض، ويعود كل إنسان إلى ملكه، وكل إنسان إلى عشيرته.”
كانت سنة اليوبيل سنة عظيمة ومقدسة، مليئة بالبركات والفرح. في هذه السنة، كانت كل الديون تُغفر، وكل العبيد يُطلق سراحهم، وكل أرض تباع تعود إلى مالكها الأصلي. كانت هذه السنة ترمز إلى حرية الله الكاملة ورحمته التي لا حدود لها. كانت تذكيرًا بأن الله هو الذي يحرر شعبه من كل عبودية، سواء كانت عبودية مادية أو روحية.
وصف موسى لشعب إسرائيل كيف يجب أن يحتفلوا بهذه السنة المقدسة. قال: “في اليوم العاشر من الشهر السابع، في يوم الكفارة، تُطلقون صوت البوق في كل الأرض. هذا البوق يعلن بداية سنة اليوبيل، سنة الحرية والرجوع إلى الرب.”
كان الشعب يستمع باهتمام، وقلوبهم تفيض بالفرح والرهبة. لقد فهموا أن هذه الوصايا ليست مجرد قوانين أرضية، بل هي جزء من علاقتهم مع الله. كانت سنة اليوبيل تذكيرًا بأن الله هو الذي يملك كل شيء، وأنهم مدعوون للعيش في ثقة كاملة به.
ثم تابع الرب كلامه: “لا تبيعوا الأرض بيعًا دائمًا، لأن الأرض ليست لكم، بل هي لي. أنتم غرباء ونزلاء عندي. لذلك، في كل أرض تملكونها، يجب أن تعطوا للأرض حق الفداء.”
كانت هذه الكلمات تذكيرًا قويًا بأن الله هو المالك الحقيقي للأرض، وأن الإنسان مجرد وكيل عليها. فإذا اضطر أحد إلى بيع أرضه بسبب الفقر أو الضيق، كان لأقاربه الحق في فدائها وإعادتها إليه. وإن لم يكن هناك من يفديها، فإن الأرض تعود إلى مالكها الأصلي في سنة اليوبيل.
كانت هذه الوصايا تعكس عدل الله ورحمته. فالله لا يريد أن يرى أحدًا من شعبه يعيش في عبودية دائمة أو يفقد ميراثه إلى الأبد. بل يريد أن يعيش الجميع في حرية وفرح، معتمدين عليه في كل شيء.
وفي النهاية، ختم الرب كلامه بقوله: “إذا سألكم أحد: ماذا نأكل في السنة السابعة إذا لم نزرع ولم نحصد؟ فقولوا لهم: سأبارككم في السنة السادسة، فتعطي الأرض غلة تكفي لثلاث سنوات.”
كانت هذه البركة علامة على إيمان الشعب بالرب ورعايته. فالله وعد بأنه سيعتني بهم إذا أطاعوا وصاياه وكرموا سنته السبتية وسنة اليوبيل. كان هذا تذكيرًا بأن الله أمين، وأنه يعتني بكل احتياجات شعبه.
وهكذا، عاش بنو إسرائيل بهذه الوصايا، متذكرين دائمًا أن الله هو مصدر كل بركة وحرية. وكانت سنة اليوبيل تذكيرًا سنويًا برحمة الله العظيمة وعدله الذي لا يتزعزع.