الكتاب المقدس

رسالة بولس إلى فيلبي: الفرح والسلام في المسيح

في مدينة فيلبي، حيث كانت الكنيسة الناشئة تتعلم طريق الإيمان، كتب الرسول بولس رسالة مليئة بالحب والتشجيع لأحبائه هناك. كانت رسالته في الأصحاح الرابع من رسالة فيلبي بمثابة نداء للفرح والسلام، وسط التحديات التي واجهوها.

بدأ بولس كلامه بقوة، قائلاً: “فَرِحُوا فِي الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ، وَأَقُولُ أَيْضًا: افْرَحُوا!” (فيلبي 4: 4). كان يعلم أن الفرح الحقيقي لا يأتي من الظروف الخارجية، بل من العلاقة العميقة مع الرب. كان الفرح الذي يتحدث عنه بولس فرحًا يتجاوز الفهم البشري، فرحًا ينبع من معرفة أن الله معهم في كل خطوة، حتى في أصعب الأوقات.

ثم تابع بولس قائلاً: “لِيَكُنْ حِلْمُكُمْ مَعْرُوفًا عِنْدَ جَمِيعِ النَّاسِ. الرَّبُّ قَرِيبٌ” (فيلبي 4: 5). كان يحثهم على أن يعيشوا بحلم ووداعة، حتى يكونوا شهودًا لحضور الله في حياتهم. كان يعلم أن الرب قريب، ليس فقط في الزمني، بل في الروحي أيضًا. كان حضوره يعطي قوة وسلامًا لكل من يثق به.

ثم جاءت الكلمات التي تعتبر جوهر الرسالة: “لاَ تَهْتَمُّوا بِشَيْءٍ، بَلْ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ مَعَ الشُّكْرِ، لِتُعْلَمْ طِلْبَاتُكُمْ لَدَى اللهِ” (فيلبي 4: 6). كان بولس يعلم أن الاهتمامات والمخاوف يمكن أن تثقل قلوب المؤمنين، لكنه قدم لهم الحل: الصلاة والدعاء مع الشكر. كان يعلم أن الله يسمع صلواتهم، وأنه يعتني بهم في كل شيء.

ثم وعدهم بولس بالسلام الذي يفوق كل عقل: “وَسَلامُ اللهِ الَّذِي يَفُوقُ كُلَّ عَقْلٍ، يَحْفَظُ قُلُوبَكُمْ وَأَفْكَارَكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ” (فيلبي 4: 7). كان هذا السلام هبة من الله، سلامًا لا يعتمد على الظروف، بل على الثقة في محبة الله وعنايته.

ثم انتقل بولس إلى الحديث عن الفضيلة والصلاح، قائلاً: “أَخِيرًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ، كُلُّ مَا هُوَ حَقٌّ، كُلُّ مَا هُوَ جَلِيلٌ، كُلُّ مَا هُوَ عَادِلٌ، كُلُّ مَا هُوَ طَاهِرٌ، كُلُّ مَا هُوَ مُسِرٌّ، كُلُّ مَا صِيتُهُ حَسَنٌ، إِنْ كَانَتْ فَضِيلَةٌ وَإِنْ كَانَ مَدْحٌ، فَفِي هذَا افْتَكِرُوا” (فيلبي 4: 8). كان يحثهم على أن يملأوا أفكارهم بالأمور التي ترفع الروح وتعزز الإيمان، بدلًا من التركيز على السلبيات والمخاوف.

ثم ذكر بولس تجربته الشخصية، قائلاً: “وَالَّذِي تَعَلَّمْتُهُ وَقَبِلْتُهُ وَسَمِعْتُهُ وَرَأَيْتُهُ فِيَّ، فَهذَا افْعَلُوا، وَإِلهُ السَّلاَمِ يَكُونُ مَعَكُمْ” (فيلبي 4: 9). كان يعلمهم أن يتبعوا مثاله في الإيمان والثقة بالله، ووعدهم أن إله السلام سيكون معهم.

ثم جاءت الكلمات التي تعبر عن امتنان بولس لدعمهم المادي والروحي: “فَرِحْتُ جِدًّا فِي الرَّبِّ أَنَّكُمْ قَدْ أَخِيرًا أَفْضَيْتُمْ فِي الْعِنَايَةِ بِي. الَّذِي كُنْتُمْ تَعْنُونَ بِهِ أَيْضًا، وَلَكِنَّكُمْ لَمْ تَكُونُوا مُتَفَرِّغِينَ” (فيلبي 4: 10). كان بولس ممتنًا لاهتمامهم به، حتى في أصعب الأوقات.

ثم أكمل قائلاً: “لَسْتُ أَقُولُ مِنْ جِهَةِ احْتِيَاجٍ، لأَنِّي قَدْ تَعَلَّمْتُ أَنْ أَكُونَ مُكْتَفِيًا بِمَا أَنَا فِيهِ” (فيلبي 4: 11). كان بولس يعلم أن الاكتفاء الحقيقي يأتي من الله، وليس من الظروف المادية. كان يعيش في حالة من الرضا، بغض النظر عن وضعه.

ثم أضاف: “أَعْرِفُ أَنْ أَتَوَاضَعَ، وَأَعْرِفُ أَيْضًا أَنْ أَسْتَفْضِلَ. فِي كُلِّ شَيْءٍ وَفِي جَمِيعِ الأَشْيَاءِ قَدْ تَدَرَّبْتُ: أَنْ أَشْبَعَ وَأَنْ أَجُوعَ، وَأَنْ أَسْتَفْضِلَ وَأَنْ أَنْقُصَ” (فيلبي 4: 12). كان بولس يعيش في حالة من التوازن الروحي، حيث كان يعتمد على الله في كل شيء.

ثم ختم بولس رسالته بكلمات قوية: “أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ الَّذِي يُقَوِّينِي” (فيلبي 4: 13). كانت هذه الكلمات تعبيرًا عن إيمانه الراسخ بأن القوة الحقيقية تأتي من المسيح، الذي يعطيه القدرة على مواجهة كل التحديات.

وهكذا، كانت رسالة بولس إلى أهل فيلبي رسالة مليئة بالتشجيع والتعليم الروحي. كانت تذكيرًا لهم بأن الفرح والسلام والاكتفاء الحقيقي يأتيان من العلاقة مع الله، وأنه يمكنهم أن يعيشوا حياة مليئة بالإيمان والرجاء، بغض النظر عن الظروف المحيطة بهم.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *