في زمنٍ قديم، في مدينة كورنثوس العظيمة، كتب الرسول بولس رسالةً مليئةً بالحب والحكمة إلى المؤمنين هناك. كانت كورنثوس مدينةً مزدهرةً، لكنها كانت أيضًا مليئةً بالتحديات الروحية والخلافات بين المؤمنين. فقرر بولس أن يعلّمهم عن أعظم الفضائل، وهي المحبة.
بدأ بولس كلامه بقوة، قائلًا: “لَوْ كُنْتُ أَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَةِ النَّاسِ وَالْمَلاَئِكَةِ، وَلكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ، فَقَدْ صِرْتُ نُحَاسًا يَطِنُّ أَوْ صَنْجًا يَرِنُّ.” كان بولس يريد أن يفهم المؤمنون أن كل المواهب العظيمة، مثل التكلم بألسنة أو النبوة أو حتى الإيمان الذي ينقل الجبال، تصبح بلا معنى إذا لم تكن المحبة هي الدافع وراءها.
ثم واصل بولس وصفه للمحبة، قائلًا: “الْمَحَبَّةُ تَصْبِرُ وَتَرْفُقُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَحْسِدُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَتَفَاخَرُ وَلاَ تَنْتَفِخُ، وَلاَ تُقَبِّحُ، وَلاَ تَطْلُبُ مَا لِنَفْسِهَا، وَلاَ تَحْتَدُّ، وَلاَ تَظُنُّ السُّوءَ، وَلاَ تَفْرَحُ بِالإِثْمِ بَلْ تَفْرَحُ بِالْحَقِّ.” كانت كلماته كالنور الذي يضيء قلوب المؤمنين، ليفهموا أن المحبة ليست مجرد شعور عابر، بل هي اختيار يومي للصبر واللطف والتواضع.
ثم أضاف بولس: “الْمَحَبَّةُ تَحْتَمِلُ كُلَّ شَيْءٍ، وَتُصَدِّقُ كُلَّ شَيْءٍ، وَتَرْجُو كُلَّ شَيْءٍ، وَتَصْبِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ.” كانت هذه الكلمات تذكيرًا قويًا بأن المحبة لا تضع حدودًا، ولا تيأس أبدًا، بل تبقى ثابتةً حتى في أصعب الأوقات.
وفي نهاية كلامه، أكد بولس على أبدية المحبة، قائلًا: “أَمَّا الْمَحَبَّةُ فَلاَ تَسْقُطُ أَبَدًا. أَمَّا النُّبُوَّاتُ فَسَتُبْطَلُ، وَأَمَّا الأَلْسِنَةُ فَسَتَنْتَهِي، وَأَمَّا الْمَعْرِفَةُ فَسَتُبْطَلُ.” كان يريد أن يفهم المؤمنون أن كل المواهب والمعجزات ستزول يومًا ما، لكن المحبة ستبقى إلى الأبد، لأنها جوهر الله نفسه.
وهكذا، أصبحت رسالة بولس عن المحبة في كورنثوس الأولى، الإصحاح الثالث عشر، درسًا خالدًا لكل المؤمنين عبر العصور. لقد علّمهم أن المحبة هي الطريق الأسمى، وهي التي تعكس صورة الله في حياتنا. فالمحبة هي التي تبني، وهي التي تصلح، وهي التي تبقى عندما يفنى كل شيء آخر.