الكتاب المقدس

عظة الجبل: تعاليم يسوع عن المحبة والمغفرة

في إحدى الأيام، اجتمع جمعٌ كبيرٌ من التلاميذ والناس حول يسوع، وكانوا يأتون من كل مكان ليسمعوا تعاليمه ويشهدوا معجزاته. كان الجو مشحونًا بالروحانية، والسماء زرقاء صافية، والشمس تلمع على وجوه الحاضرين الذين كانوا يتوقون إلى كلمة من فم الرب. نزل يسوع من الجبل حيث كان قد قضى الليل في الصلاة، ووقف على مكان منبسط، وحوله تلاميذه والجمع الغفير.

بدأ يسوع يتكلم بصوته الهادئ القوي، الذي كان يخترق القلوب ويلمس الأعماق. قال: “طُوبَاكُمْ أَيُّهَا الْمَسَاكِينُ، لأَنَّ لَكُمْ مَلَكُوتَ اللهِ. طُوبَاكُمْ أَيُّهَا الْجِيَاعُ الآنَ، لأَنَّكُمْ تُشْبَعُونَ. طُوبَاكُمْ أَيُّهَا الْبَاكُونَ الآنَ، لأَنَّكُمْ سَتَضْحَكُونَ.”

كانت كلماته تلامس قلوب الحاضرين، فالكثيرون منهم كانوا فقراء وجياعًا وحزانى، ولكنهم شعروا بالتعزية والرجاء في كلامه. ثم تابع يسوع قائلًا: “طُوبَاكُمْ إِذَا أَبْغَضَكُمُ النَّاسُ، وَإِذَا أَفْرَزُوكُمْ وَعَيَّرُوكُمْ، وَأَخْرَجُوا اسْمَكُمْ كَشِرِّيرٍ مِنْ أَجْلِ ابْنِ الإِنْسَانِ. اِفْرَحُوا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَتَهَلَّلُوا، فَهُوَذَا أَجْرُكُمْ عَظِيمٌ فِي السَّمَاءِ.”

كانت هذه الكلمات تحمل في طياتها تحدياً كبيراً، ولكنها كانت أيضًا تحمل وعدًا إلهيًا بالفرح الأبدي للأولئك الذين يتحملون الاضطهاد من أجل اسمه. ثم انتقل يسوع إلى تحذير الأغنياء والمكتفين بأنفسهم، قائلًا: “وَيلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الأَغْنِيَاءُ، لأَنَّكُمْ قَدْ أَخَذْتُمْ عَزَاءَكُمْ. وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الشَّبْعَانُونَ الآنَ، لأَنَّكُمْ سَتَجُوعُونَ. وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الضَّاحِكُونَ الآنَ، لأَنَّكُمْ سَتَنُوحُونَ وَتَبْكُونَ.”

كانت كلماته صادمة للبعض، ولكنها كانت تذكيرًا بأن الفرح الحقيقي لا يكمن في الأمور المادية، بل في العلاقة مع الله. ثم تابع يسوع تعليمه قائلًا: “وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ أَيُّهَا السَّامِعُونَ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ.”

كانت هذه التعاليم تحمل في طياتها قوة تغييرية، فهي تدعو إلى محبة تتجاوز الحدود البشرية الطبيعية. ثم أعطى يسوع مثالًا عمليًا قائلًا: “مَنْ ضَرَبَكَ عَلَى خَدِّكَ فَاعْرِضْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا، وَمَنْ أَخَذَ رِدَاءَكَ فَلاَ تَمْنَعْهُ ثَوْبَكَ أَيْضًا.”

كانت هذه الكلمات تعلّم التلاميذ والناس أن يتحلوا بالتواضع والصبر، وأن لا يردوا الشر بالشر، بل بالخير. ثم أكمل يسوع قائلًا: “كُونُوا رُحَمَاءَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمْ أَيْضًا رَحِيمٌ. لاَ تَدِينُوا فَلاَ تُدَانُوا. لاَ تَقْضُوا عَلَى أَحَدٍ فَلاَ يُقْضَى عَلَيْكُمْ. اِغْفِرُوا يُغْفَرْ لَكُمْ.”

كانت هذه الكلمات تذكيرًا بأن الله هو الديان الوحيد، وأن على البشر أن يعيشوا بروح المغفرة والمحبة. ثم أعطى يسوع مثلًا عن أهمية بناء الحياة على أساس متين، قائلًا: “كُلُّ مَنْ يَأْتِي إِلَيَّ وَيَسْمَعُ كَلاَمِي وَيَعْمَلُ بِهِ، يُشْبِهُ رَجُلًا بَنَى بَيْتَهُ، فَحَفَرَ وَعَمَّقَ وَوَضَعَ الأَسَاسَ عَلَى الصَّخْرِ. فَلَمَّا حَدَثَ سَيْلٌ، صَدَمَ النَّهْرُ ذَلِكَ الْبَيْتَ فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُزَعْزِعَهُ، لأَنَّهُ كَانَ مُؤَسَّسًا عَلَى الصَّخْرِ.”

كان هذا المثل يوضح أهمية سماع كلمة الله والعمل بها، لأنها الأساس المتين الذي يثبت الإنسان في وجه تجارب الحياة. أما من يسمع الكلمة ولا يعمل بها، فهو كمن يبني بيته على الرمل، الذي لا يقوى أمام العواصف.

وبعد أن أنهى يسوع تعليمه، كان الجمع مندهشًا من سلطته وكلماته، لأنها كانت تختلف عن تعاليم الكتبة والفريسيين. كانت كلماته تحمل قوة وحياة، وتلامس أعماق القلوب.

وهكذا، في ذلك اليوم، ترك يسوع أثرًا عميقًا في قلوب الذين سمعوه، ودعاهم إلى حياة جديدة مبنية على المحبة والمغفرة والثقة بالله.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *