في ذلك الزمان، كان يسوع المسيح يتحدث إلى تلاميذه بكلمات مليئة بالحكمة والتعاليم الروحية. اجتمعوا حوله على جبلٍ منعزل، حيث كان الهواء نقيًا والطبيعة هادئة، وكأن السماء والأرض تتناغمان لسماع كلمات الحياة التي كان على وشك أن ينطق بها.
بدأ يسوع حديثه قائلًا: “الحق أقول لكم، إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد، فلن تدخلوا ملكوت السماوات.” كانت عيناه تلمعان بالحب والرأفة، وكأنه يريد أن يغرس في قلوبهم بساطة الإيمان وطهارة القلب التي يتمتع بها الأطفال. “فمن وضع نفسه مثل هذا الولد، فهو الأعظم في ملكوت السماوات.”
ثم أضاف يسوع، وصوته يملأ الأجواء براحة وسلام: “ومن قبل ولدًا واحدًا مثل هذا باسمي، فقد قبلني أنا. ولكن من أعثر أحد هؤلاء الصغار المؤمنين بي، فخير له أن يُعلق في عنقه حجر رحى ويُغرق في لجة البحر.”
كانت كلماته قوية ومليئة بالتحذير، كأنها تلامس أعماق قلوب التلاميذ، وتذكرهم بخطورة الإساءة إلى إخوتهم في الإيمان. ثم تابع يسوع، مشيرًا إلى أهمية الحفاظ على الوحدة والمحبة بين المؤمنين: “ويل للعالم من العثرات! فلا بد أن تأتي العثرات، ولكن ويل لذلك الإنسان الذي به تأتي العثرة.”
ثم أخذ يسوع يشرح لهم أهمية التوبة والمغفرة، قائلًا: “إن أخطأ إليك أخوك، فاذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما. إن سمع منك، فقد ربحت أخاك. وإن لم يسمع، فخذ معك واحدًا أو اثنين، لكي تقوم كل كلمة على فم شاهدين أو ثلاثة. وإن لم يسمع منهم، فقل للكنيسة. وإن لم يسمع من الكنيسة، فليكن عندك كالوثني والعشار.”
كانت كلماته واضحة ومباشرة، تهدف إلى تعليمهم كيفية حل الخلافات بطريقة تحفظ كرامة الجميع وتؤدي إلى المصالحة. ثم أضاف يسوع، مؤكدًا على قوة الصلاة والاتحاد الروحي: “الحق أقول لكم، كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطًا في السماء، وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولًا في السماء.”
ثم تابع يسوع، مذكرًا إياهم بقوة الاتفاق في الصلاة: “وأقول لكم أيضًا، إن اتفق اثنان منكم على الأرض في أي شيء يطلبانه، فإنه يكون لهما من قبل أبي الذي في السماوات. لأنه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي، فهناك أكون في وسطهم.”
في تلك اللحظة، شعر التلاميذ بقوة حضور الله معهم، وكأن السماء قد انفتحت لتلامس الأرض. ثم اقترب بطرس من يسوع وسأله: “يا رب، كم مرة يخطئ إليّ أخي وأنا أغفر له؟ هل إلى سبع مرات؟”
نظر يسوع إلى بطرس بعينين مليئتين بالحب والحكمة، وقال: “لا أقول لك إلى سبع مرات، بل إلى سبعين مرة سبع مرات.” كان يسوع يريد أن يعلمهم أن المغفرة لا حدود لها، وأن قلب المؤمن يجب أن يكون دائمًا مستعدًا للغفران، مهما تكررت الإساءة.
ثم شرع يسوع في سرد مثلٍ ليوضح لهم أهمية المغفرة من القلب. قال: “لذلك يشبه ملكوت السماوات إنسانًا ملكًا أراد أن يحاسب عبيده. فلما ابتدأ في المحاسبة، قُدم إليه واحد مديون بعشرة آلاف وزنة. وإذ لم يكن له ما يوفي، أمر سيده أن يباع هو وامرأته وأولاده وكل ما له، فيوفي الدَّين.”
كان التلاميذ يصغون باهتمام شديد، وكأنهم يرون المشهد أمام أعينهم. ثم تابع يسوع: “فخرّ العبد وسجد له قائلًا: يا سيد، تمهل عليّ فأوفي لك الجميع. فتحنن سيد ذلك العبد وأطلقه، وترك له الدَّين.”
ثم أضاف يسوع: “ولكن ذلك العبد خرج، فوجد واحدًا من العبيد رفقائه كان مديونًا له بمئة دينار، فأمسكه وأخذ بخناقه قائلًا: أوفني ما لي عليك. فخرّ العبد رفيقه على قدميه وطلب إليه قائلًا: تمهل عليّ فأوفي لك الجميع. فلم يرد، بل مضى وألقاه في السجن حتى يوفي الدَّين.”
كانت القصة تزداد تشويقًا، والتلاميذ يتساءلون عن نهايتها. ثم أكمل يسوع: “فلما رأى العبيد رفقاؤه ما كان، حزنوا جدًا، وأتوا إلى سيدهم وأخبروه بكل ما جرى. فدعاه سيده وقال له: أيها العبد الشرير، كل ذلك الدَّين تركته لك لأنك طلبت إليّ. أفما كان ينبغي أنك أنت أيضًا ترحم العبد رفيقك كما رحمتك أنا؟”
ثم ختم يسوع المثل قائلًا: “فظهر سيده وغضب عليه، وسلمه إلى المعذبين حتى يوفي كل ما كان له عليه. فهكذا أبي السماوي يفعل بكم أيضًا، إن لم تتركوا من قلوبكم كل واحد لأخيه زلاته.”
كانت كلمات يسوع تتردد في آذان التلاميذ، وكأنها تلامس أعماق قلوبهم. لقد فهموا أن المغفرة ليست مجرد فعل خارجي، بل هي حالة قلبية تعكس محبة الله ورحمته التي لا حدود لها. ومنذ ذلك اليوم، أخذوا يتعلمون أن يحبوا بعضهم بعضًا من القلب، وأن يغفروا كما غفر لهم الله.