في الأيام القديمة، عندما كانت الأرض لا تزال تتنفس أسرار الخليقة، عاش رجلٌ اسمه أيوب. كان أيوب رجلاً كاملاً ومستقيماً، يتقي الله ويحيد عن الشر. كانت بركته عظيمة، وثروته وفيرة، وعائلته كبيرة. لكن الله، في حكمته التي تفوق الفهم، سمح للشيطان بأن يختبر أيوب، ففقد كل شيء: أمواله، أولاده، صحته، وحتى دعم أصدقائه. ومع ذلك، ظل أيوب ثابتاً في إيمانه، رافضاً أن يلعن الله أو يتخلى عن إيمانه.
وبعد أن عبر أيوب في مرارة التجربة، تكلم الله معه من العاصفة، وسأله أسئلة عميقة عن أسرار الخليقة وقدرة الله التي لا تُدرك. أيوب، الذي كان يعتقد أنه يفهم كل شيء، أدرك فجأة أنه لا يعرف شيئاً أمام عظمة الله. فقال للرب: “عَلِمْتُ أَنَّكَ تَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ، وَلاَ يَعْسُرُ عَلَيْكَ أَمْرٌ. مَنْ هُوَ الَّذِي يُظْلِمُ الْقَضَاءَ بِغَيْرِ عِلْمٍ؟ لِذَلِكَ كَلَّمْتُ بِمَا لَمْ أَفْهَمْ، بِعَجَائِبَ فَوْقِي لَمْ أَعْرِفْهَا. اِسْمَعِ الآنَ وَأَنَا أَتَكَلَّمُ. أَسْأَلُكَ فَعَلِّمْنِي. بِسَمْعِ الأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ، وَالآنَ رَأَتْكَ عَيْنِي. لِذَلِكَ أَرْفُضُ وَأَنْدَمُ فِي التُّرَابِ وَالرَّمَادِ.”
وهكذا، اعترف أيوب بجهله وتاب عن كبريائه، ووضع نفسه في موضع الخاضع لله. وعندما رأى الله توبة أيوب وإيمانه الراسخ، رحمه وأعاد إليه بركته مضاعفة. قال الرب لأصدقاء أيوب الذين أخطأوا في حكمهم عليه: “قَدْ غَضِبْتُ عَلَيْكُمْ، لأَنَّكُمْ لَمْ تَتَكَلَّمُوا عَنِّي بِالصَّوَابِ كَعَبْدِي أَيُّوبَ. وَالآنَ خُذُوا لأَنْفُسِكُمْ سَبْعَةَ ثِيرَانٍ وَسَبْعَةَ كِبَاشٍ، وَاذْهَبُوا إِلَى عَبْدِي أَيُّوبَ، وَأَصْعِدُوا مُحْرَقَةً لأَجْلِ أَنْفُسِكُمْ. وَعَبْدِي أَيُّوبُ يُصَلِّي لأَجْلِكُمْ، فَإِنِّي أَقْبَلُ وَجْهَهُ لِئَلاَّ أُجْرِيَ مَعَكُمْ حَسَبَ حَمَاقَتِكُمْ.”
ففعل الأصدقاء كما أمرهم الرب، وصلى أيوب لأجلهم. وعندما صلى أيوب، رفع الله عنه كل ما كان قد حل به من ضيق. وأعاد الله إلى أيوب ضعف كل ما كان قد فقده. فصار له أربعة عشر ألفاً من الغنم، وستة آلاف من الإبل، وألف فدان من البقر، وألف أتان. وأعطاه الله أيضاً سبعة بنين وثلاث بنات، وكانت بناته أجمل نساء الأرض في ذلك الزمان. وعاش أيوب بعد ذلك مئة وأربعين سنة، ورأى أولاده وأحفاده حتى الجيل الرابع.
وهكذا، اختتمت قصة أيوب بتأكيد أن الله عادل ورحيم، وأنه يكافئ الذين يثبتون في إيمانهم حتى في أحلك الأوقات. أيوب، الذي تحمل الألم بثبات، أصبح رمزاً للصبر والإيمان الذي لا يتزعزع. وقصته تذكرنا بأن الله، في النهاية، يعوض كل خسارة ويمنح بركة تفوق كل ما يمكن أن نتخيله، إذا ما وضعنا ثقتنا فيه.