الكتاب المقدس

نبوة إشعياء عن دمار صور ووعد الرجاء

في الأيام القديمة، عندما كانت الشعوب تتجمع حول الموانئ العظيمة، وتتبادل السلع والكنوز، كانت مدينة صور، تلك المدينة العظيمة التي تقع على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، تُعتبر جوهرة التاج بين المدن التجارية. كانت صور مركزًا للثراء والقوة، حيث كانت سفنها تبحر إلى أقاصي الأرض، وتعود محملة بالذهب والفضة والأقمشة الفاخرة والتوابل النادرة. كان التجار من كل الأمم يتدفقون إلى أسواقها، وكانت شهرتها تملأ الآفاق.

لكن في تلك الأيام، تنبأ النبي إشعياء بكلمة الرب عن صور، فجاءت الكلمات ثقيلة ومليئة بالتحذير. قال إشعياء: “وَيْلٌ لِصُورَ! انْتِحِبِي أَيَّتُهَا السُّفُنُ التَّارِشِيشِيَّةُ، لأَنَّهَا قَدْ خَرِبَتْ حَتَّى لاَ بَيْتٍ وَلاَ مَدْخَلٍ. مِنْ أَرْضِ كِتِّيمَ أُعْلِنَ لَهُمْ.”

كانت هذه الكلمات صادمة لأهل صور، الذين اعتادوا على الأمان والازدهار. لكن إشعياء وصف كيف أن الرب سيعاقب المدينة بسبب كبريائها واعتمادها على ثروتها وقوتها بدلًا من الاعتماد عليه. كانت صور قد أصبحت متغطرسة، معتقدة أن سفنها وحصونها لا تُقهر. لكن الرب أراد أن يُظهر لهم أن كل قوة بشرية هي زائلة أمام قوته.

وتحدث إشعياء عن كيف أن سفن تارشيش، تلك السفن العظيمة التي كانت تبحر إلى أقاصي العالم، ستعود خاوية، وسيُسمع نواح البحارة الذين فقدوا كل شيء. قال: “اِسْكُتُوا يَا سُكَّانَ الْجَزِيرَةِ! تُجَّارُ صِيدُونَ الْعَابِرُونَ فِي الْبَحْرِ قَدْ مَلأُوكِ.”

ثم وصف إشعياء كيف أن الرب سيجعل من صور عبرة للشعوب. ستُهدم أسوارها العالية، وتُسوَّى أبراجها الفخمة بالأرض. ستصبح المدينة مكانًا خاليًا، حيث لا يُسمع فيها إلا صوت الرياح التي تعبر بين الأنقاض. قال: “وَتَكُونُ صُورُ مَزْحَلَةً لِلسُّفُنِ. فَإِنَّ الرَّبَّ أَمَرَ بِإِهَانَةِ كُلِّ جَمَالِ الْعَالَمِ.”

لكن في وسط هذا التحذير القاسي، كانت هناك أيضًا بذرة رجاء. فقد تنبأ إشعياء بأن صور، بعد أن تُذل وتُهان، ستُستعاد بعد سبعين عامًا. قال: “وَيَكُونُ فِي نِهَايَةِ السَّبْعِينَ عَامًا أَنَّ الرَّبَّ يَتَعَهَّدُ صُورَ، فَتَعُودُ إِلَى أُجْرَتِهَا وَتَزْنِي مَعَ كُلِّ مَمَالِكِ الأَرْضِ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ.”

وهكذا، كانت نبوة إشعياء عن صور مزيجًا من الدينونة والرجاء. لقد أراد الرب أن يُظهر أن كل قوة بشرية هي زائلة، وأن الاعتماد على الذات والثروة هو طريق إلى الدمار. لكنه أيضًا أراد أن يُظهر أن رحمته تمتد إلى كل الشعوب، حتى تلك التي أخطأت وابتعدت عنه.

وفي النهاية، كانت صور تذكيرًا للعالم بأن الرب هو الذي يملك القوة والمجد، وأن كل ما يبدو عظيمًا في عيون البشر هو لا شيء أمام عظمته. وهكذا، بقيت قصة صور عبرة للأجيال القادمة، تُذكرهم بأن الله هو مصدر كل بركة، وأن التواضع والاعتماد عليه هو الطريق إلى الحياة الحقيقية.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *