الكتاب المقدس

أليفاز: درس في البر والحياة الحقيقية

في قديم الزمان، في مدينة صغيرة تطل على جبال شاهقة ووديان خضراء، كان هناك رجل يُدعى أليفاز. كان أليفاز رجلاً غنياً، يمتلك أراضي شاسعة وقطعاناً من الماشية، لكن قلبه كان بعيداً عن الله. كان يعتقد أن ثروته وقوته هي التي تحميه وتضمن له السعادة، ولم يكن يهتم بأحكام الرب أو بحياة البر.

في أحد الأيام، بينما كان أليفاز يجلس في قصره الفاخر، ينظر إلى ممتلكاته الواسعة، دخل عليه رجل حكيم يُدعى ناثان. كان ناثان معروفاً بحكمته وتقواه، وكان الناس يأتون إليه طلباً للنصيحة. نظر ناثان إلى أليفاز وقال: “يا أليفاز، القلب البشري مثل مجرى ماء، الرب يوجهه حيث يشاء. هل تعلم أن الرب ينظر إلى القلب قبل النظر إلى الغنى؟”

رفع أليفاز حاجبيه باستخفاف وقال: “ماذا يعني ذلك؟ أنا أملك كل ما أحتاجه، ولا حاجة لي إلى وصايا الرب.”

أجاب ناثان بهدوء: “لكن الرب يقول في أمثاله: ‘كل طريق للإنسان مستقيم في عينيه، أما الرب فهو يزن القلوب.’ هل تعتقد أن طريقك مستقيم؟”

لم يرد أليفاز، لكنه شعر بقلق غريب يتسلل إلى قلبه. ومع ذلك، تجاهل كلمات ناثان واستمر في حياته المليئة بالترف والغطرسة.

بعد أيام قليلة، قرر أليفاز أن يبني لنفسه قصراً جديداً، أكثر فخامة من أي شيء رأته المدينة من قبل. أمر عبيده بقطع أشجار من الغابة المجاورة، وأرسل عماله لبناء القصر. لكنه لم يعطِ أجوراً عادلة للعمال، بل استغل فقرهم وحاجتهم. كان قلبه قاسياً، ولم يهتم بمعاناتهم.

وفي ليلة مظلمة، بينما كان العمال يعملون بجد لإنهاء القصر، هبت عاصفة قوية. الرياح العاتية والأمطار الغزيرة جعلت العمل مستحيلاً. حاول العمال إصلاح ما تلف، لكنهم لم يتمكنوا من ذلك. وفي الصباح، وجد أليفاز أن القصر قد انهار، وخسر الكثير من ثروته.

حزن أليفاز على خسارته، لكنه لم يتعلم الدرس. بدلاً من أن يتوب ويعود إلى الرب، قرر أن يزيد من ثروته بأي طريقة ممكنة. بدأ في التجارة مع بلاد بعيدة، لكنه كان يستخدم المكاييل والمقاييس المغشوشة ليزيد من أرباحه. كان يعتقد أنه بذكائه سيتمكن من خداع الجميع.

لكن الرب كان يراقب. في أحد الأيام، بينما كان أليفاز يحتفل بثروته الجديدة، دخل عليه ناثان مرة أخرى. قال ناثان: “ألم تقرأ في الأمثال: ‘الوزن والميزان العادل للرب، وكل أثقال الكيس صنعته.’؟ الرب يكره الغش والظلم.”

هز أليفاز رأسه وقال: “أنا لا أخاف من الرب. أنا أملك كل شيء.”

لكن الرب كان لديه خطط أخرى. في تلك الليلة، بينما كان أليفاز نائماً، سرق لصوص كل ما كان يملك. استيقظ ليجد نفسه فقيراً، بلا مال ولا ممتلكات. شعر باليأس والحزن، وأدرك أخيراً أن ثروته لم تكن سوى سراب.

ذهب أليفاز إلى ناثان، الذي كان يصلي في هيكل الرب. قال أليفاز بصوت مرتعش: “لقد أخطأت. كنت أظن أن غناي هو كل شيء، لكنني الآن أفهم أن الرب هو الذي يملك كل شيء.”

نظر ناثان إليه بابتسامة رحيمة وقال: “الرب يقول: ‘من يتبع البر والرحمة يجد حياة وبراً وكرامة.’ توبتك هي بداية طريق جديد.”

ومن ذلك اليوم، تغيرت حياة أليفاز. بدأ يعيش بحسب وصايا الرب، يساعد الفقراء والمساكين، ويعمل بصدق وأمانة. وعندما مات، ترك وراءه إرثاً من البر والحكمة، وليس مجرد ثروة مادية.

وهكذا، تعلم أليفاز أن “قلب الملك في يد الرب كجداول ماء، حيثما شاء يميله.” وأن “من يتبع البر يجد الحياة الحقيقية.”

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *