في أحد الأيام، كان يسوع يُعلّم في الهيكل في أورشليم، وكان الجمع الكبير من الناس يحيط به، يستمعون إلى كلماته التي كانت مليئة بالحكمة والقوة. وكان الفريسيون والصدوقيون، الذين كانوا دائمًا يتربصون به، يحاولون أن يجدوا طريقة للإيقاع به. فاقتربوا منه وسألوه سؤالًا محيرًا، ظنّوا أنه سيُحرجه.
قالوا له: “يا معلّم، نعلم أنك صادق ولا تبالي بأحد، لأنك لا تنظر إلى وجوه الناس، بل تُعلّم طريق الله بالحق. فهل يحلّ لنا أن ندفع الجزية لقيصر أم لا؟ هل ندفع أم لا ندفع؟”
كان هذا السؤال محفخًا، لأنهم إن قال لهم نعم، فسيُتهمونه بالخيانة للشعب اليهودي الذي كان يكره الحكم الروماني. وإن قال لا، فسيُتهمونه بالتحريض ضد السلطة الرومانية. ولكن يسوع، الذي يعرف أفكارهم ونواياهم الخبيثة، نظر إليهم بنظرة حادة وقال: “لماذا تُجرّبونني؟ هاتوا لي دينارًا لأرى.”
فقدّموا له دينارًا. فأخذ يسوع الدينار بيده، ونظر إليه ثم نظر إليهم وقال: “لمن هذه الصورة والكتابة؟” فأجابوا: “لقيصر.” فقال لهم يسوع: “أعطوا إذًا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله.”
فاندهشوا من حكمته، ولم يستطيعوا أن يُمسكوه بكلمة، فتركوه ومضوا.
ثم جاء إليه بعض الصدوقيين، الذين كانوا ينكرون قيامة الأموات، وسألوه سؤالًا آخر. قالوا: “يا معلّم، كتب لنا موسى أنّه إذا مات رجل وترك امرأة ولم يترك أولادًا، أن يأخذ أخوه المرأة ويُقيم نسلاً لأخيه. فكان هناك سبعة إخوة، تزوج الأول ومات ولم يترك نسلاً. فأخذها الثاني ومات أيضًا ولم يترك نسلاً، وهكذا الثالث إلى السابع. وفي النهاية ماتت المرأة أيضًا. ففي القيامة، عندما يقومون، لمن تكون زوجة؟ لأنها كانت زوجة للسبعة.”
فأجابهم يسوع: “ألستم بهذا تضلّون، إذ لا تعرفون الكتب ولا قوة الله؟ لأنهم عندما يقومون من الأموات، لا يزوّجون ولا يتزوّجون، بل يكونون كملائكة في السماوات. وأما عن قيامة الأموات، أفما قرأتم في كتاب موسى، في أمر العليقة، كيف كلّمه الله قائلاً: أنا إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب؟ ليس هو إله أموات بل إله أحياء. فأنتم تضلّون كثيرًا.”
فاستمع الجمع إلى كلامه وكانوا مندهشين من تعليمه. ثم اقترب واحد من الكتبة، الذي كان قد سمع مناظرتهم، ورأى أن يسوع أجابهم جيدًا، فسأله: “أية وصية هي أول الكل؟”
فأجابه يسوع: “إن أول كل الوصايا هي: اسمع يا إسرائيل. الرب إلهنا رب واحد. وتحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل فكرك، ومن كل قوتك. هذه هي الوصية الأولى. وثانية مثلها هي: تحب قريبك كنفسك. ليس وصية أخرى أعظم من هاتين.”
فقال له الكاتب: “جيّدًا يا معلّم، بالحق قلت، لأن الله واحد وليس آخر سواه. ومحبته من كل القلب والفهم والقوة، ومحبة القريب كالنفس، هي أفضل من جميع المحرقات والذبائح.”
فلما رآه يسوع قد أجاب بعقل، قال له: “لست بعيدًا عن ملكوت الله.” وبعد ذلك لم يجسر أحد أن يسأله بعد.
ثم جلس يسوع في الهيكل وهو يُعلّم، وقال: “كيف يقول الكتبة إن المسيح هو ابن داود؟ لأن داود نفسه قال بالروح القدس: قال الرب لربي: اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئًا لقدميك. فداود نفسه يدعوه ربًا، فكيف يكون ابنه؟”
وكان الجمع الكبير يسمعونه بسرور. ثم قال لهم في تعليمه: “احذروا من الكتبة الذين يرغبون المشي بالطيالسة، ويحبون التحيات في الأسواق، والمجالس الأولى في المجامع، والمتكآت الأولى في الولائم. الذين يأكلون بيوت الأرامل، ولعلّة يطيلون الصلوات. هؤلاء يأخذون دينونة أعظم.”
ثم جلس يسوع مقابل الخزانة، ورأى كيف يلقي الجمع نقودهم في الخزانة. وكان أغنياء كثيرون يلقون الكثير. فأتت أرملة فقيرة وألقت فلسين، قيمتهما ربع. فدعا تلاميذه وقال لهم: “الحق أقول لكم: إن هذه الأرملة الفقيرة قد ألقت أكثر من جميع الذين ألقوا في الخزانة، لأن الجميع من فضلتهم ألقوا، أما هذه فمن إعوازها ألقت كل ما عندها، كل معيشتها.”
فكانت هذه الكلمات تُظهر حكمة يسوع ومحبته للفقراء والمتواضعين، وتُعلّم تلاميذه والجمع أن قيمة العطاء ليست في الكمية، بل في النية والإخلاص لله.