الكتاب المقدس

مردخاي: حكمة وعدل في مملكة فارس

في الأيام الأخيرة لمملكة فارس العظيمة، حيث كانت الشمس تشرق على مدينة شوشن العاصمة، كانت الأمور تسير بسلام وهدوء تحت حكم الملك أحشويروش. وكان الملك قد أظهر عظمة وقوة غير مسبوقة، حيث امتدت مملكته من الهند إلى الحبشة، وكانت شعوب الأرض تخضع لسلطانه. ولكن في خضم هذه العظمة، كان هناك رجل واحد يقف كرمز للحكمة والعدل، وهو مردخاي اليهودي، الذي رفعه الله إلى مكانة عالية.

كان مردخاي قد أنقذ الملك من مؤامرة خبيثة دبرها كبير الحاشية هامان، الذي أراد إبادة الشعب اليهودي. ولكن بتدبير إلهي، تم كشف المؤامرة، وأُعدم هامان، وتم إنقاذ الشعب اليهودي من الهلاك. ومنذ ذلك اليوم، رفع الملك أحشويروش مكانة مردخاي، وجعله ثاني أقوى رجل في المملكة، بعد الملك نفسه.

وفي تلك الأيام، كتب الملك أحشويروش مرسومًا ملكيًا يعلن فيه عن عظمة مردخاي وأعماله الجليلة. وكان هذا المرسوم يُقرأ في كل أرجاء المملكة، ليعرف الجميع كيف أن الله قد استخدم هذا الرجل لتغيير مصير شعبه. وكان مردخاي يحظى باحترام الجميع، من أعلى رتبة في المملكة إلى أصغر مواطن، لأنه كان رجلًا صالحًا، يسعى لخير الشعب ويعمل بالعدل.

وكان مردخاي يجلس عند بوابة القصر الملكي، يرتدي ثيابًا ملكية أرجوانية وبيضاء، وعلى رأسه تاج من الذهب الخالص. وكان الناس يأتون إليه من كل حدب وصوب، يطلبون مشورته ويستمعون إلى حكمته. وكان مردخاي لا يرد أحدًا، بل كان يعطي كل شخص وقته، ويستمع إلى مشاكله باهتمام، ويقدم النصائح التي كانت تخرج من قلبه المليء بالإيمان بالله.

وفي أحد الأيام، بينما كان مردخاي يجلس عند البوابة، جاء إليه رجل عجوز من اليهود، يحمل لفافة من الجلد. قال الرجل: “يا سيدي مردخاي، لقد سمعت عن عظمتك وحكمتك، وأريد أن أريك هذا الكتاب الذي كتبه أحد الحكماء عن تاريخ شعبنا”. ففتح مردخاي اللفافة باهتمام، وبدأ يقرأ فيها. وكان الكتاب يتحدث عن أعمال الله العظيمة مع شعبه، وكيف أنقذهم من الأعداء مرارًا وتكرارًا. فامتلأ قلب مردخاي بالشكر لله، وأدرك أن كل ما حدث كان بتدبير إلهي.

وفي تلك الليلة، بينما كان مردخاي يصلي في غرفته، شعر بسلام عميق يملأ قلبه. وكان يتذكر كيف أن الله قد استخدمه هو والملكة أستير، ابنة عمه، لإنقاذ الشعب اليهودي. وكان يشعر بالامتنان لأن الله قد وضعهم في المكان المناسب في الوقت المناسب. وكان مردخاي يعلم أن كل ما يملكه من سلطة ومكانة هو هبة من الله، وأنه يجب أن يستخدمها لخدمة الآخرين.

وفي اليوم التالي، دعا مردخاي كبار رجال المملكة إلى اجتماع في القصر. وعندما اجتمعوا، وقف مردخاي أمامهم وقال: “أيها الإخوة، لقد منحنا الله نعمة عظيمة بأن نكون في هذه المكانة. ولكن علينا أن نتذكر أن كل ما نملكه هو من الله، وأنه يجب أن نستخدمه لخدمة شعوبنا. فلنعمل معًا لبناء مملكة يسودها العدل والسلام”.

فاستجاب الجميع لكلام مردخاي، وبدأوا في وضع خطط لتحسين حياة الناس في كل أرجاء المملكة. وكان مردخاي يشرف على كل هذه الأعمال، ويحرص على أن تكون وفقًا لإرادة الله.

وهكذا، استمرت مملكة فارس في الازدهار تحت قيادة الملك أحشويروش ومردخاي اليهودي. وكان الشعب اليهودي يعيش في سلام وأمان، ويشكر الله على كل ما فعله من أجلهم. وكان مردخاي دائمًا يذكرهم بأن الله هو الذي يحكم كل شيء، وأنه يجب أن نثق به في كل الظروف.

وفي النهاية، كتبت هذه الأحداث في سفر أخبار الأيام، لتبقى ذكرى لأجيال قادمة، تعلمهم أن الله هو الذي يرفع ويخفض، وأنه يستخدم الأشخاص العاديين ليقوموا بأعمال عظيمة إذا كانوا مستعدين لطاعته. وهكذا، أصبح مردخاي رمزًا للإيمان والحكمة، واسمه مذكور في كل مكان كرجل بار، استخدمه الله لتغيير مصير شعبه.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *