في قديم الزمان، في مدينة مقدسة تعلوها هالة من النور الإلهي، كان هناك شعب يعيش في سلام وطمأنينة تحت ظل الله. كانت هذه المدينة تُعرف باسم أورشليم، حيث كان الهيكل المقدس يقف شامخًا، رمزًا لوجود الله بين شعبه. وفي أحد الأيام، تجمع الشعب في ساحة الهيكل ليسبحوا الرب ويقدموا له التسبيح الذي يستحقه.
كان اليوم مشرقًا، والشمس تشرق ببهاء، وكأن السماء نفسها تشارك في الفرحة. الهواء كان معطرًا برائحة البخور الذي يصعد من المذبح، والرياح تحمل معها أصوات الترانيم التي تملأ الأجواء. كان الجميع حاضرين: الشيوخ بحكمتهم، الشباب بحماسهم، والأطفال ببراءتهم. كل واحد منهم جاء ليقدم للرب أفضل ما عنده.
بدأت الفرقة الموسيقية بالعزف على الآلات المختلفة. كانت هناك الأبواق تصدح بأصواتها القوية، وكأنها تعلن مجد الله في الأعالي. والنايات تعزف بألحانها الرقيقة، تذكر الجميع بنعمة الله ورحمته. والطبول تدق بإيقاعها القوي، كأنها تذكر بصلاح الله وقوته. والجنوك والعيدان تعزف بألحانها الشجية، تسبح الله على جلاله وعظمته.
ثم ارتفعت الأصوات البشرية، مختلطة مع أصوات الآلات، في تسبيح عظيم. “سبحوا الله في قدسه، سبحوه في فلك قوته!” كان هذا الشعار الذي يردده الجميع بقلوب ممتلئة بالفرح والامتنان. “سبحوه على أعماله العجيبة، سبحوه على جلال عظمته!” كانت الكلمات تخرج من أفواههم وكأنها نهر متدفق من الحمد والشكر.
كان هناك رجل عجوز يدعى أليعازر، كان معروفًا بحكمته وتقواه. وقف في وسط الجمع ورفع يديه نحو السماء، وقال بصوت جهوري: “يا رب، أنت مستحق كل تسبيح وتمجيد. أنت الذي خلقت السماوات والأرض، وأنت الذي تحفظنا برحمتك. كل نسمة نتنفسها هي من عندك، وكل نعمة نحظى بها هي من فضلك. فلنسبحك بكل ما فينا!”
ثم بدأ الجميع يرقصون بروح الفرح، يرفعون أيديهم ويحركون أجسادهم في انسجام مع الموسيقى. كان الرقص تعبيرًا عن الفرح الروحي الذي يملأ قلوبهم. حتى الأطفال الصغار كانوا يرقصون وهم يضحكون، وكأنهم يرون ملاكًا يرقص معهم في الهواء.
وفي وسط هذا الجو الروحي، شعر الجميع بحضور الله القوي. كانوا يشعرون وكأن السماء قد انفتحت، وملائكة الله تنزل لتشاركهم في التسبيح. “سبحوه بدق الطبول والرقص، سبحوه بالأوتار والمزامير!” كانت هذه الكلمات تتردد في أذهان الجميع، وكأنها تذكير بأن كل شيء في الخليقة مدعو لتسبيح الله.
ثم توقف العزف فجأة، وارتفع صوت امرأة شابة تدعى مريم. كانت معروفة بصوتها العذب الذي يلامس القلب. بدأت تغني مزمورًا جديدًا، كلماتها كانت كالنور الذي يضيء الظلمة: “كل نسمة تسبح الرب، كل خليقة تعلن مجده. من أصغر زهرة في الحقل إلى أعظم جبل في الأرض، كل شيء يسبحك يا رب!”
كانت كلماتها تلامس قلوب الجميع، وكأنها تذكرهم بأن التسبيح ليس فقط بالأصوات والآلات، بل بكل ما في الحياة. “سبحوه بكل أعمالكم، سبحوه بكل كلماتكم، سبحوه بكل حياتكم!” كانت هذه هي الرسالة التي أرادت مريم أن توصلها للجميع.
وبعد أن انتهت من الغناء، عادت الفرقة الموسيقية للعزف، ولكن هذه المرة كانت الألحان أكثر قوة وعمقًا. كان الجميع يشعرون بأنهم جزء من شيء أكبر، جزء من تسبيح كوني يرفع من الأرض إلى السماء. “كل ما في الحياة يسبحك يا رب، من أصغر ذرة تراب إلى أعظم نجم في السماء!”
وفي النهاية، وقف الكاهن الأكبر ورفع يديه ليبارك الشعب. قال: “ليبارككم الرب ويحفظكم، ليجعل وجهه يشرق عليكم ويرحمكم، ليرفع الرب وجهه إليكم ويمنحكم السلام.” ثم أضاف: “اذهبوا بسلام، واحملوا معكم تسبيح الرب في قلوبكم، وليكن كل يوم من أيامكم تسبيحًا له.”
وهكذا انتهى اليوم، ولكن التسبيح لم ينتهِ. فقد حمل كل واحد معه في قلبه نغمة من نغمات التسبيح، وعادوا إلى بيوتهم وهم يعلمون أن حياتهم كلها هي تسبيح لله. “ليسبح الرب كل نسمة، ليسبحه كل قلب، ليسبحه كل كائن حي، من الآن وإلى الأبد. آمين.”
وهكذا، أصبحت هذه الذكرى تروى من جيل إلى جيل، تذكيرًا بأن التسبيح هو جوهر الحياة، وأن كل ما في الوجود مدعو ليسبح الرب بكل ما فيه.