الكتاب المقدس

عصيان الشعب وهروبهم إلى مصر

في الأيام التي تلت سقوط أورشليم بيد البابليين، كان النبي إرميا لا يزال يعيش بين بقية الشعب الذي ترك في أرض يهوذا. كان الشعب في حالة من الخوف والارتباك، فقد دُمِّرت المدينة المقدسة، وهُجِّر معظم أهلها إلى بابل، ولم يتبق سوى الفقراء والضعفاء الذين تركهم نبوخذنصر ليعملوا في الكروم والحقول.

كان القائد العسكري الذي عينه البابليون على المنطقة، وهو جدليا بن أخيقام، قد قُتل على يد إسماعيل بن نثنيا، الذي كان من نسل الملوك. هذا الحدث زاد من حالة الفوضى والخوف بين الشعب. فاجتمع بقية الشعب، بمن فيهم الرجال والنساء والأطفال، حول إرميا النبي طالبين منه أن يستشير الرب نيابة عنهم.

وقف إرميا أمام الجميع، وكان وجهه يعكس الحزن العميق على ما حدث لأورشليم، لكنه كان أيضًا مليئًا بالثقة في كلمة الرب. قال لهم: “اسمعوا صوت الرب إلهكم، الذي أرسلني إليكم لأقول لكم: إن كنتم تريدون البقاء في هذه الأرض، فإني سأبنيكم ولا أهدمكم، وأغرسكم ولا أقلعكم، لأني قد ندمت عن الشر الذي أصبكم به. لا تخافوا من ملك بابل، لأني معكم لأخلصكم وأنقذكم من يده. ولكن إن قلتم: لا نبقى في هذه الأرض، وعصيتم صوت الرب، وقلتم: لا، بل نذهب إلى أرض مصر حيث لا نرى حربًا ولا نسمع صوت البوق ولا نجوع للخبز، فنبقى هناك، فاعلموا أن السيف الذي تخافونه سيتبعكم إلى هناك، والجوع الذي تهربون منه سيلحق بكم في مصر، وتموتون هناك.”

لكن قلوب الشعب كانت قد قست، ولم يريدوا أن يسمعوا لكلمة الرب. فاجتمعوا معًا، بقيادة يوحانان بن قارح وكل القادة العسكريين، وقالوا لإرميا: “أنت تتكلم بالكذب! الرب إلهنا لم يرسلك لتقول لنا: لا تدخلوا مصر لتسكنوا هناك. بل باروخ بن نيريا هو الذي يحرضك علينا لتسلمنا بيد الكلدانيين فيقتلوننا أو يسبوننا إلى بابل.”

فرفضوا أن يطيعوا صوت الرب، وأخذوا كل الرجال والنساء والأطفال، بما فيهم إرميا النبي وباروخ الكاتب، وساروا نحو أرض مصر. وصلوا إلى تحفنحيس، وهي مدينة على حدود مصر، وهناك استقروا.

وفي تحفنحيس، جاءت كلمة الرب إلى إرميا مرة أخرى، فقال له الرب: “خذ حجارة كبيرة وطمها في الطين في مدخل بيت فرعون في تحفنحيس أمام عيون رجال يهوذا. وقل لهم: هكذا قال رب الجنود إله إسرائيل: هأنذا أرسل وآخذ نبوخذنصر ملك بابل عبدي، وأضع كرسيه فوق هذه الحجارة التي طممتها، فيبسط خيمته الملكية عليها. وسيأتي ويضرب أرض مصر، فالذي للموت للموت، والذي للسبي للسبي، والذي للسيف للسيف. ويُحرق بيوت آلهة مصر بالنار، ويسلبها، ويتلف أرض مصر كما يتلف الراعي ثوبه، ويخرج من هناك بسلام. ويكسر أنصاب بيت الشمس التي في أرض مصر، وبيوت آلهة مصر يحرقها بالنار.”

وهكذا، كان الرب يحذرهم من أن هروبهم إلى مصر لن يحميهم من غضبه، بل سيجلب عليهم الدمار في المكان الذي ظنوا أنه ملجأهم الآمن. لكنهم لم يسمعوا، واستمروا في عصيانهم، مما أدى إلى تحقيق نبوة إرميا، حيث جاء نبوخذنصر وغزا مصر، وأوقع الدمار على كل من هرب إليها من شعب يهوذا.

وهكذا، كانت قصة بقية الشعب الذي اختار أن يعصي كلمة الرب ويهرب إلى مصر، بدلًا من أن يثق في وعود الله لهم بالحماية والبركة إذا بقوا في أرض يهوذا. لقد كانت نهايتهم مأساوية، كتحذير لجميع الذين يختارون طريق العصيان بدلًا من الطاعة.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *