الكتاب المقدس

إرميا ينذر أورشليم بالتوبة قبل الدمار

في الأيام التي سبقت سقوط أورشليم، كان النبي إرميا واقفًا في وسط الشعب، ينقل لهم كلمة الرب التي أُعطيت له. كانت المدينة تعيش في حالة من الاضطراب الروحي، فقد نسوا عهد الرب الذي قطعه مع آبائهم عندما أخرجهم من أرض مصر. كان العهد بسيطًا: “اسمعوا صوتي واعملوا بكل ما أوصيكم به، فتكونوا لي شعبًا، وأكون لكم إلهًا.” ولكن الشعب، بدلًا من أن يسمعوا، انحرفوا وراء آلهة أخرى، وعبدوا الأصنام، وكسروا العهد المقدس.

بدأ إرميا يتكلم بصوت حزين لكنه حازم: “هكذا يقول الرب إله إسرائيل: ملعون الرجل الذي لا يسمع كلام هذا العهد، الذي أوصيت به آباءكم يوم أخرجتهم من أرض مصر، من أتون الحديد.” كانت كلمات الرب تخرج من فم إرميا كالنار، تحرق القلوب القاسية التي رفضت أن تتوب. كان الرب يتذكر كيف قطع العهد معهم في البرية، وكيف وعدهم بالبركة إذا أطاعوا، ولكنهم بدلًا من ذلك، اختاروا طريق اللعنة.

ثم تابع إرميا: “لقد حذرت آباءكم مرارًا وتكرارًا، وأرسلت إليهم جميع عبيدي الأنبياء باكرًا وعشيًا، قائلًا: ارجعوا عن طرقكم الرديئة وأصلحوا أعمالكم ولا تتبعوا آلهة أخرى لتعبدوها. ولكنهم لم يسمعوا ولم يصغوا، بل شدّوا أعناقهم كأعناق الثور العنيد.”

كانت عيني إرميا تفيضان بالدموع وهو يتحدث، لأنه كان يعلم ما سيأتي. لقد رأى في رؤى الرب الدمار الذي سيحل بأورشليم بسبب خطاياهم. “لذلك هكذا يقول الرب: ها أنا أجلب عليهم شرًا لا يقدرون أن ينجوا منه، فيصرخون إليّ فلا أسمع لهم. فتذهب مدن يهوذا وسكان أورشليم ويدعون آلهتهم التي يقدمون لها البخور، ولكنها لا تخلصهم في وقت ضيقهم.”

كان الشعب يستمع، ولكن قلوبهم كانت قاسية. لقد اعتادوا على سماع كلمات الأنبياء دون أن يتأثروا بها. لكن إرميا لم يتوقف، فقد كان يعلم أن رسالته هي آخر فرصة لهم قبل أن يحل الغضب الإلهي. “لأن عدد مدنك كعدد آلهتك يا يهوذا، وعدد شوارع أورشليم كعدد المذابح التي نصبتموها للبعل، لتقديم الذبائح للعار.”

ثم أعلن إرميا تحذيرًا أخيرًا: “لا تصلّوا لأجل هذا الشعب، ولا ترفعوا من أجلهم صراخًا ولا صلاة، لأني لا أسمع حين يصرخون إليّ في وقت مصيبتهم.” كانت هذه الكلمات قاسية، ولكنها كانت تعكس عدل الرب الذي لا يمكن أن يتغاضى عن الخطيئة إلى الأبد.

في تلك الأثناء، كان هناك رجال من عناثوث، المدينة التي جاء منها إرميا، يخططون لقتله. لقد غضبوا منه لأنه كان يتكلم ضد خطاياهم، وفضح أعمالهم الشريرة. فأرسل الرب كلمته إلى إرميا: “ها هم يريدون قتلك، ويقولون: لا تتنبأ باسم الرب لئلا تموت بيدنا.” ولكن إرميا لم يخف، لأنه كان يعلم أن الرب معه.

فرفع إرميا صلاته إلى الرب: “يا رب الجنود، العادل القاضي، الذي تختبر الكلى والقلب، دعني أرى نقمتك عليهم، لأني كشفت قضيتي إليك.” كان إرميا يتألم من الخيانة التي واجهها من أبناء شعبه، ولكنه وثق في عدل الرب.

وهكذا، استمر إرميا في تبليغ رسالة الرب، رغم التهديدات والمخاطر. كانت كلماته تحمل تحذيرًا شديدًا، ولكنها أيضًا كانت تحمل أملًا لمن يريد أن يرجع إلى الرب. لقد كان إرميا صوتًا صارخًا في البرية، يدعو الشعب إلى التوبة قبل فوات الأوان.

وفي النهاية، تحققت كلمات الرب. جاءت جيوش بابل ودمرت أورشليم، وسُبي الشعب إلى أرض غريبة. ولكن في وسط الدمار، بقي وعد الرب بأنه سيعيد شعبه إذا رجعوا إليه بقلوب صادقة. وهكذا، كانت قصة إرميا تذكيرًا بأن عدل الرب ورحمته يسيران معًا، وأن التوبة هي الطريق الوحيد للخلاص.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *