في البدء، كان هناك رجل حكيم يدعى الجامعة، جلس في ظل شجرة زيتون عتيقة، حيث كانت أوراقها الفضية تهمس مع النسيم الخفيف. كانت الشمس تشرق ببطء فوق التلال البعيدة، مطلية السماء بظلال من الذهب والبرتقال. كان الجو هادئًا، لكن قلب الجامعة كان مليئًا بالتفكير العميق. لقد أمضى سنوات طويلة في التأمل في معنى الحياة، وفي هذا الصباح، قرر أن يسجل أفكاره ليكون عبرة للأجيال القادمة.
بدأ الجامعة حديثه قائلًا: “باطل الأباطيل، كل شيء باطل.” كانت كلماته ثقيلة، كأنها تحمل وزن العالم بأسره. نظر إلى السماء الزرقاء، ثم إلى الأرض التي تحت قدميه، وتأمل في كل ما خلقه الله. رأى الشمس تشرق وتغرب، ثم تعود إلى مكانها لتشرق مرة أخرى. رأى الرياح تدور وتدور، ولا تكل ولا تمل. رأى الأنهار تجري إلى البحر، ولكن البحر لا يمتلئ أبدًا. كل شيء يتحرك في دائرة لا تنتهي، وكأنه لا جديد تحت الشمس.
توقف الجامعة للحظة، وأغمض عينيه، متذكرًا أيام شبابه. لقد جرب كل شيء في الحياة: بنى البيوت، وزرع الكروم، وزرع الحدائق والبساتين، وحفر البرك لسقي الأشجار. جمع الذهب والفضة، وامتلك الخدم والجواري، وكان له قطعان من البقر والغنم أكثر من أي شخص آخر في أرضه. لقد بلغ من المجد والعظمة ما لم يبلغه أحد قبله في أورشليم. لكنه، مع كل هذا، شعر بالفراغ. لقد أدرك أن كل هذه الأمور كانت كالسراب، تلمع من بعيد ولكنها تختفي عندما تقترب منها.
قال الجامعة في نفسه: “لقد كرست وقتي للحكمة والمعرفة، ولكنني وجدت أن زيادة العلم زيادة الحزن، وزيادة الفهم زيادة الألم.” لقد تعلم أن الحكمة أفضل من الجهل، كما أن النور أفضل من الظلام. لكنه أدرك أيضًا أن الحكيم والجاهل كلاهما يموت في النهاية. فما الفائدة من كل هذا الجهد إذا كان المصير واحدًا؟
ثم نظر الجامعة إلى العمل والتعب الذي يبذله الإنسان تحت الشمس. رأى الناس يعملون بجد، ويشقون يوميًا من أجل لقمة العيش، ولكنهم لا يجدون الراحة. رأى الظلم ينتشر في الأرض، والبكاء تحت وطأة القهر. رأى أن القوة ليست دائمًا مع الحق، وأن الأغنياء أحيانًا لا ينامون بسبب ثرواتهم، بينما الفقير ينام بسلام. كل شيء يبدو ظالمًا، وكأن العالم يسير في دوامة لا نهاية لها.
وفي خضم تأملاته، رفع الجامعة عينيه إلى السماء وقال: “يا رب، أنت خالق كل شيء، وأنت الذي وضعت النظام في الكون. لكنني أرى أن كل شيء تحت الشمس باطل وقبض الريح.” ثم أدرك أن الله وحده هو الذي يعطي معنى للحياة. بدون الله، كل شيء يتحول إلى فراغ. بدون الله، لا قيمة للعمل، ولا للحكمة، ولا للغنى.
وأخيرًا، ختم الجامعة حديثه بقوله: “فالخير للإنسان أن يأكل ويشرب، ويرى خيرًا من تعبه. هذا أيضًا رأيته أن من يد الله هو. لأن من يأكل ويشرب ويجد خيرًا من تعبه، هذا عطية من الله.” لقد فهم أن الفرح الحقيقي يأتي من قبول عطايا الله بشكر، والتمتع بها باعتدال. الحياة ليست مجرد جري وراء الماديات، بل هي علاقة مع الخالق الذي يعطيها معنى وقيمة.
وهكذا، جلس الجامعة تحت شجرة الزيتون، وهو يشعر بالسلام يغمر قلبه. لقد أدرك أن الحياة، رغم كل تعقيداتها وألمها، هي هبة من الله، وأن الفرح الحقيقي يكمن في العلاقة معه. وعندما غربت الشمس، وبدأت النجوم تلمع في السماء، شعر الجامعة بأنه قد وجد الإجابة التي كان يبحث عنها طوال حياته.